أبتعد عمّا قد يسبب لي الألم. أهرب. أختبئ. أفكر بالكتابة عن تلك اللحظات لكنّني لا أقوى على ذلك. لأنّ الحزن من الصّعب حصره في عدد من الكلمات. يتسلل لنعيشه، لا لنشارك به أحداً. وكما لكل وداع بداية، ومع "شباب السفير" كانت البداية.
عن مقاهي الدراويش، إنتاجي الأول ورقياً. رسائل تشجيعية من الأصدقاء على أول موضوع في "شباب". والدتي حملت الصحيفة وجالت بها في أروقة المنزل. صودف وجود خالي معنا: "اقرأ يا محسن، سارة عندها موضوع بالجريدة". بقيت أسبوعاً كاملاً وهي تعيد قراءة مادتي. أما والدي يحتفظ بكل ما هو ممضيّ باسمي على حاسوبه الخاص، دون أن ينسى توجيه الإرشادات: "لا تظهري موقفك من أي حدث بل صيغي المعلومة لخدمة نصك".
بعد مضي وقت، يناديني الحاج طلال: "إنت يلي عم تكتبي بالسفير". أجيبه: "إيه، بقسم الشباب". يرد: "بسلّم عليكِ أحمد وبقلّك عم يقرا كل أربعاء مواضيعك". أفرح، أشكره وأتابع الطريق.
***
- "رضا بدي اكتب"
- "اكتبي"
تنتهي المحادثة مع مسؤول القسم بالعبارة الأحب إلى قلبي: "أكتبي". نناقش الأفكار سوياً ومن ثم أكتب. بدأنا حوارنا الأول في الطبقة الرابعة من مبنى الصحيفة، استغرق ساعات لنصنّف المواضيع التي يمكننا الكتابة عنها. والأهم آخر مهلة لتقديم المحتوى: "نهار الثلاثاء أو منبلش كرفتة". ولرضا كلمات ينتقيها للتعبير عن المواد التي أقدمها، "حبوب، لذيذ، لطيف"، وكأنّه يدلّلها.
اللقاء الأخير، كان لإتمام سلسلة من الحلقات عن القطاعات الشبابية في الأحزاب. يجلس رضا في مكتبة مع سجائر "اللاكي سترايك"، ونغم على المكتب الموازي، تخطّط للسفر، وأنا بانتظار ضيف لأجري معه مقابلة.
انتهيت من المقابلة، عدت إلى المكتب، وجدتهما ينتظراني: "كل هيدا الوقت كرمال مقابلة". أجبتهما: "أنا بحب دردش". لملمنا أغراضنا، سرنا منتظرين المصعد. "ليس لدينا صورة بمراية الأسنسير"، حاول رضا إخفاء وجهه لكن فشلت كل محاولاته، ونحجنا في أخذ اللقطة الأخيرة، قبل الرحيل.