موضوع القنب الهندي أو الزطلة ما زال بين التجريم والإباحة, رغم كثرة الحديث عنه في وسائل الإعلام منذ 2011 إلا أن الضبابية مازالت تسيطر على طريقة معالجة هذا الموضوع و خروج من المأساة التي سببتها هذه المادة.
والملاحظ في الرأي العام التونسي أنه لم يحسم موقفه حول كيفية التصرف مع مستهلكي هذه المخدرات, فحتى الخبراء من رجال قانون وأطباء الذين تحدثوا في الموضوع تقريبا من كل جوانبه لتقديم فكرة حول الحلول الممكنة التي يمكن أن ينتهجها المشرع في القانون الجديد الذي سيعرض يوم 3 جانفي أمام نواب الشعب, إلا أنهم أغفلوا جانب مهم لم يتحدثوا عنه وهو أساس وضع التجريم على استهلاك مادة الزطلة, أي لماذا يعتبر استهلاك هذه المادة جريمة؟ من الاجابة عن هذا السؤال نعرف أصل العلة و بالتالي نعرف الشروط أو المناخ الذي يجب توفره حتى يرفع التجريم أو تغيير العقوبة.
في هذا الصدد يظن الأغلبية أن أساس هذه الجريمة يرجع إما لسبب أخلاقي ديني
أو لسبب صحي, فمن دون الدخول في نقاش حول وجهة نظر الدين للمخدرات, الثابت انها مادة مضرة صحيا على المستوى الفيزيولوجي والنفسي.
لكن في الحقيقة ليس أي من هذه الأسباب يمثل أساس تجريم استهلاك الزطلة فالمشرع لا يأخذ بمثل هذه الأسس عادة و يمكن القول أن تجارة التبغ والخمور المحتكرة من قبل الدولة التونسية أكبر دليل على هذا.
في الاصل فان الحرب على مادة الزطلة هي حرب اقتصادية و سبب منعها هو سبب اقتصادي بحت ففكرة القانون 52 لسنة 1992 تنبني على القضاء على التهريب بصفة عامة و تهريب المخدرات بصفة خاصة الذي يعتبر النوع الأول من التهريب قبل تهريب المحروقات و التبغ, و تجفيف منابعه بسجن مستهلكيها, فمادة الزطلة عبارة عن بضاعة تدخل للبلاد من دول شقيقة مقابل أموال ضخمة, ثم يقع استهلاكها اي انها اصبحت لا شيء أو هباءات في جسم الإنسان و في المقابل هذه الأموال بقية في حدود دولة أخرى, فلا يمكن استرجاعها ابدا و هنا تكمن الكارثة.
لكن الناظر اليوم في الواقع التونسي يلاحظ أن هذه الاستراتيجية غير فعالة فلا الزطلة انقطعت من أسواق المخدرات ولا انقطع الشباب عن استهلاكها, و بهذا فإن العقوبة السجنية لم تعد ولم تكن ابدا حلا لهذه الآفة.
الحل المنطقي يكمن بين فرضيتين لا تخلوان من النقد وهو ما يزيد من تعقيد المسألة, الحل الأول يكمن في التخلي عن معاقبة المستهلكين و تسخير كل القوى لردع المروجين و هذا الحل من شأنه أن يقلل من كميات المخدرات الموجودة في السوق, وفي هذا الصدد يجب أن يضبط المشرع معنى ترويج والشروط التي يجب توافرها لقيام جريمة الترويج وخاصة تحديد الكمية التي بها بحيازتها من قبل شخص يعتبر مروج, و هذا حتى لا يقع تلفيق جرائم كيدية للمستهلكين كما حصل من قبل.
هذا الحل من شأنه ينجح في احتواء مادة الزطلة لكنه يمكن أن يحول وجهة الشباب من هذه المادة إلى مخدرات أخرى أكثر خطورة. كما أنه من شأنه أن يجعل المستهلكين تحت الضغط من قبل السلطات من أجل الوشاية بالمروج , هذا إن لم يتحول الأمر إلى اعتداءات من أجل استخراج المعلومة.
حل ثان يكمن في سيطرة الدولة على تجارة هذه المادة و احتكارها تماما كالتبغ و الكحول و بالتالي فان امكانية التهريب تنعدم وفضلا عن استفزاز الشباب بالسجون فإنها ستحقق مرابيح طائلة, وهذا هو الحل الوحيد لرفع التجريم كليا عن استهلاك مادة الزطلة, فالأموال التي كانت تخرج من البلاد إلى دول أخرى سيصبح مالها خزينة الدولة التونسية. فإن فشلت الدولة في احتواء هذه التجارة من الأفضل أن تحتويها, لكن القول بأن الدولة تبيع المخدرات لمواطنيها يعني ايضا انها تصنعها, فلا يمكن للدولة التعامل مع المهربين على الحدود , فمهربي المخدرات في العادة يكونون على علاقة بالارهابيين و تجارة السلاح, فمن الغباء أن تقوم دولة بتمويل من يريد قتل شعبها.
في النهاية يمكن القول أن الحلين المطروحين لهما ايجابيات و سلبيات و لا يخلوان من النقد, لكن في كل الاحوال افضل من الحل القائل بسجن مستهلك و تدمير حياته من أجل لاشيء.