و تلاقَينا بعدَها مراتٍ عديدةً،تلاقينا في البردِ تحتَ جناحِ الدفءِ،و في الربيعِ تلاقينا في الميانِ المنتشرِ في الحقول،حتى وصلنا للصيفِ و تلاقينا في ظلّ الشمسِ المتكئِ على القمر،حتى تلاقينا أيضاً بعدَها في حُبي لكِ.. لحظة..لا تتفاخرْ أيُها الجِدارُ بما عليك،كم مرة اعترفتِ بها قبلي و لو باطناً؟ ألستِ أنتِ من قال: “لديَّ شعورٌ رائعٌ بقربك كأنني لا زِلتُ واقفةً هُناك حيث رأيتكَ أولَ مرة،كأننا لا زلنا نتبادلُ النظرَ” حسناً أمّا أنا فكنتُ واضِحا جداً حدَّ الشقاوةِ.. اتذكرين متى قلتُها و كيف؟ انتظرتِ هذهِ اللحظةَ كثيراً.هذهِ اللحظةُ التي حضنتُكِ فيها بيدي من اسفل ظهرِك و جعلتُكِ تقتربين فيها مني ،و أزحتُ بيدي الثانيةِ شعرَك عن أذنِك،و دنوتُ بشفاهي متمتماً “أعشقُ هذا العطرَ و أعشقُ صاحبةَ هذا العطرِ و أعشَقُ الرذاذَ الذي تساقطَ على هذا الجسدِ و بِهِ اندمَج،أعشَقُ أينَ ذهب،و أين انتهى بهِ المطافُ” ههههه..كلا لم تكوني طبيعية،بل كانَ قلبُكِ ينبضُ بكفّي،و صوتُكِ يصعدُ مِن نبضِكِ وبدنُكِ اقشعرَ حتى وأصبح مُفرطَ النعومةِ،لدرجةِ أن سالَ شالُكِ عليهِ ووقع.. و صارت مخاوفي تَقتَصِرُ على ليلٍ لا يحتويكِ بين نجومِه،على حياةٍ تُفقِدُني عيْنَيْكِ الرائعتينِ دونَ علمٍ مسبق.. و ماذا فعلتِ؟ أتذكرين؟ فعلتِ عينَ الخطأ..و أحببتِني أكثر،و عشقتِني،و قُلتِ أني في العـشقِ إلهٌ،و قُلتِ أنكِ وُلدتِ لتَتِمّتي،و أني وُلدتُ كي أكونَ مُتمِّمَكِ،و فعلتُ و فعلتِ،و أتممْتِ و أتممتُ و قُلتِ” أهذا حُبُّكَ أم هوى العاشقينَ فيكَ يُختَصَر”! و قلتُ:”أمِنكِ العشقُ أم مِن هواكِ الهوى يُنصبُ و يُرفعُ و يُكسرُ و يُنتثَر”… و بعدها…أتذكرين؟ أذكرُ أشياءَ قليلة، أولَ حضن،رائحةً باهضةَ الثمن،و دفئاً لا يُشترى،كأنَّ الدِفءَ فيكِ كان يحتمي و يُجار بكِ واليكِ يلتجئ.قلبان لُوِّعا بنارٍ لذيذةٍ شيقةٍ،آمنة..في فصلٍ شتويٍ باردٍ . أولُ حضنٍ كانَ بمثابةِ الحريةِ لمن وُلِدَ في سجن.. أولُ قُبلة،توت..ظهرُك و الحائطُ،و صوتٌ ينادينا أين اختفيم،أخرجوا.. أولُ قبلةٍ،كانت بمثابةِ مفتاحِ الجنة،حينَ يُعطى لأسفلِ المذنبين.. مرّت علينا أمورٌ كانت كُلما مرّت تكونُ أولى،كرؤيتِكِ مُتزينةً ببعضِ النجوم،و متألقةً بأصلِ الأنوثة،في انتظاري،كي آخذَك في جولةٍ خياليةٍ خارجَ هذا السطحِ المُدوّرِ.مرّت علينا أمورٌ عامةٌ كانت كُلما مرّتْ علينا شعرنا أنّنا صانعوها وأننا مالكوها ،أننا مَن نَصَّها في كِتاب العِشق و الهوى،و أننا أولُ مَن جرّبها و استلذ بها.. أتذكُرين ضحكنا سوياً؟لم تبكي يوماً على كتفي كما يفعلُ العشاقُ و يتفاخرون،كُنتُ أبداً فرعَ السعادةِ لديك،كُنتِ تضحكين على كتفي حينما كُنّ يتابكين و يبكينَ على أطلالِ الاجساد.. عِلماً أنكِ بكيتِ بضعَ مرات..لم يكن مرةً بسببي بل لأجلي..في غيابٍ غـبتهُ مُجبراً..أو في حادثٍ لم أخترْه،أو في مشاجرة تعمدتُها..كلُ هذا البكاءِ كان قليلاً و طبيعياً.. و لكن في آخرِ مرةٍ بعدَ انتهاءِ ما بيننا..أتيتِ كي تبكي،في محاولةٍ لاقناعي بأنك تملكين شعوراً،او ربما لاقناعي انكِ تبكين على حماقةِ نفسِك..لربما هذا البكاء في هذه اللحظةِ كان دليلي و برهاني في وصفِكِ أنَكِ حمقاءُ.. أتذكرين جنونَنا و مدى عِشقي لشعرِك و كيف كُنتُ أمررُ أصابعي بهِ و أنتِ تتكلمين بجدية؟..كنتِ تفقدين أعصابَك لحظتها لأنك لم تكوني تعرفينَ أين أنا في هذا الشرود.. كُنتُ أشردُ بكِ و أغوص،ُ ورائحةُ عطرِك تموجُ في رأسي و تموجُ..كنت أدخلُ في عينيكِ كأنني أسعى وراء سببِ اللمعان فيهما..تمنيتُ أن امسكَ تلك النقطةَ التي تلمعُ و أسكن بها.. حسناً لنعودَ لكلامِنا..أظنُكِ تذكرين كلَّ تلك البِدَع التي ابتدعناها كُفراً في كوكب المحبةِ الصغير..كان يجدرُ بنا أن نكونَ أعداءً و نَسِنَّ قوانينَ الكرهِ التي كانت ستناسِبُك جداً.. أتذكرينَ حينما قُلتِ: “تعودُ الشمسُ لنا،و إن لم تعدْ فأنت هُنا و ما لي غيرُك حينَها و حينَنا..” حيننا ؟ هههه الحينُ لنا و فينا ؟ أتذكرين؟كيفَ كُنتِ تنامينَ حينما لا أكون قريباً؟حيننا كُنا سوياً..و حينَما حنينُنا كان حليفُنا ؟ أتذكرين كيفَ كُنا نداعبُ الهواءَ أينما وُجدنا،و كيف كُنا نتقاسمُ الضحكةَ بشفاهٍ واحدةٍ..؟أتذكرينَ أفراحَ الربيعِ و كيف كانتِ الزهورُ تجمعُنا،أتذكرينَ كم وردة أهديتُكِ،أظن أنها تذكرُ كم مرة أتيتُكِ بِها. أتذكرين كيفَ كنتِ تتوسدين حضني تحتَ الغيومِ فأدندنُ لكِ الأشعارَ حتى تتخذينَ مِنها بيتاً و تنامين على شطرِه،و تستيقظين مرتعبةً،و تظنينَ أنكِ لم تكوني و أنني رحلتُ فأطمئنُكِ بقبلةٍ على الجبينِ،تطغى على الأعرافِ العربيةِ و تسمو عنها.. أتذكرين؟أو أُنعِشُ لكِ الذاكرةَ الصلبةَ بقليلٍ مِن المناطقِ والأماكنِ التي لوثناها بحبّنا ؟ ثُم جرتِ الأيامُ كينبوعٍ صغير ذي مجرى ضيقٍ نحو النهر.أما أيامُنا التي جرتْ أيتها الحسناء،فقد جرتْ نحو شيءٍ يشبهُ المحيطَ أكثر منه شبهاً بالنهر.. أبدأُ أم تبدأين أنتِ؟ كيف بدأنا نُصبح كأقطاب مغنطيسٍ ؟حينما بدأتِ تغارين جِداً و تبحثينَ عن أصغرِ الأمورِ التي تستطيعُ أن تكونَ عقبةً أمام الدولابِ الذي يُسَيِرُنا..بدأتِ تغارين مِن نفسك..و تَشُكين بنفسك..و أصبحتِ تضربين العودَ نشازاً بنغم لم أعهده منكِ..تختلقين الامورَ ثم تخافين ان أرحلَ فأبقى و اقتربُ أكثر ثُم تبدأين ثانيةً بمعالجة الحلولِ و استدعاءِ المشاكل..ما أكثرَ الكلامَ الذي أستطيعُ أن أثرثرَه في حقّك الآنَ أيتها الراحلة… أتذكرينَ كم أعطتنا الشمسُ استعاراتٍ و كم أدانَنا القمرُ تشبيهاتٍ؟كيف جعلتِهم يعودونَ أحجاراً و جمادَ؟ أتذكرين كَيف أتيتِني؟في ذلك اليومِ البهيجِ السعيد؟ (يُتبَع)