إبان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987 أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إغلاق غالبية الجامعات والمدارس في كل من قطاع غزة والضفة الغربية لما يقارب 28 شهراً، وصارت الجامعات الفلسطينية مناطق عسكرية مغلقة.
كان لجامعة بيرزيت نصيب كبير من هذا الإغلاق، إذ دام إغلاقها 51 شهراً متتالياً. كانت هذه المرة الخامسة عشرة التي يتمّ فيها إغلاق الجامعة بأمر عسكري. دفع هذا الأمر عدداً من الأكاديميين والطلبة في بيرزيت لإطلاق حملة «الحق في التعليم» في العام 1988. اتّخذت الحملة من الدفاع عن الحق في التعليم كحق أساسي للإنسان، وكأساس لمقاومة الاحتلال، هدفاً أساسياً لنشاطاتها.
تضمّ الحملة بين صفوفها مجموعة من المتطوعين جلّهم من طلاب جامعة بيرزيت، ومنسقة للحملة تديرها. بالإضافة للجنة استشارية مكونة من 10 أكاديميين. ويتوزّع المتطوعون في الحملة على ثلاث وحدات أساسية، وهي وحدة التوثيق والأرشفة، ووحدة الحشد والمناصرة، ووحدة التحرك على الأرض.
ما بين التوثيق القانوني والحشد والمناصرة لقضايا التعليم
توضح منسّقة الحملة في "بيرزيت" سندس حماد، أوضحت أن عمل وحدات الحملة يتركّز على ثلاثة محاور رئيسية، أوّلها رصد وتوثيق الانتهاكات المستمرة التي يتعرّض لها التعليم بشكل عام من قبل الاحتلال الصهيوني، بالإضافة لتقديم الدعم القانوني لمن يتعرّضون للاعتقال من طلبة وأكاديميين في الجامعة. تقول حماد إنّ ذلك الدعم يكون على شكل: «بناء قاعدة بيانات خاصة لمتابعة ملفات المعتقلين، من قبل محامي خاص توفره الجامعة مجاناً للمعتقلين، إضافةً إلى تسهيل جميع الإجراءات اللازمة لإعادة التحاق الطلبة المعتقلين».
من خلال الرصد والتوثيق القانوني لانتهاكات الاحتلال تفعّل الحملة العمل على المحور الثاني وهو الحشد والمناصرة لقضية التعليم تحت الاحتلال. تشير حماد أنّ ذلك يرتكز بشكل أساس على «التشبيك والتواصل مع المجتمع الأكاديمي الدولي، خاصة على مستوى الطلبة والأكاديميين في الجامعات الدولية، إضافة إلى المجموعات الطلابية المناصرة للقضية الفلسطينية».
الحملة ومنذ إنشائها نجحت بالتشبيك مع أكثر من 15 جامعة أوروبية، وأكثر من 35 جامعة في الولايات المتحدة الأميركية. إضافةً إلى جولتين أقامتهما في عامي 2014 و2016، إلى جامعات في الولايات المتحدة الأميركية. تعتمد الحملة في ذلك بشكل رئيسي على طلاب الجامعة المتطوعين. إذ تؤكّد حماد على إيمان الحملة «بأن التواصل مع المجتمع الدولي على مستوى (طلبة إلى طلبة) يجعل أصحاب الحق قادرين أكثر على الدفاع عنه وإيجاد نتائج فعالة في الحشد والمناصرة».
فيما يستند محور عمل الحملة الأخير على إعطاء المساحة الكافية لطلابها لاستخدام الوسائل الممكنة كافة لانتزاع الحق في التعليم، وذلك من خلال آليات عمل الحملة ونشاطاتها المختلفة. حيث تقام بنشاطات دورية، عدا عن نشاطين كبيرين يقامان بشكل سنوي. يتمثلان بإحياء «أسبوع مناهضة الفصل العنصري الإسرائيلي»، والذي تركّز فيه الحملة على آثار الفصل العنصري على التعليم والمناداة بالمقاطعة الأكاديمية الدولية لإسرائيل. إضافة لنشاط «أسبوع الحق في التعليم»، والذي تعتبره الحملة، بحسب حماد: «المساحة الأمثل للحملة لتسليط الضوء في كل عام على قضية معينة تخصّ التعليم مثل الاحتلال المعرفي، اعتقال الطلبة، حرية التنقل وأثرها على جعل التعليم العالي الفلسطيني محليّاً، مشاكل الفيزا التي يتعرّض لها الأكاديميون الأجانب، وغيرها من القضايا».
انتهاكات مباشرة و«احتلالٍ معرفي»
تتعرّض البنية التعليمية الفلسطينية بكل مكوّناتها لانتهاكات عديدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي. تقسّم حماد في حديثها تلك الانتهاكات، بين مباشرة (مرئية) وغير مباشرة.
يتمثّل الشكل الأول من تلك الانتهاكات، بإعاقة حرية الحركة والتنقل عبر الجدار والحواجز التي تقسم المدن الفلسطينية لكانتونات صغيرة وتشتّتها. وهو الأمر الذي جعل التعليم في الجامعات محليّاً ضيّقاً. على سبيل المثال، كانت "بيرزيت" إلى أواخر التسعينيات تستقبل ما يقارب 30% من مجموع طلبتها من سكان غزة. فيما لا يتعدّى اليوم عدد القادمين من غزة الخمسة طلاب فقط.
تتمثّل الانتهاكات المباشرة في الاعتقالات المستمرة للطلبة والأكاديميين، على إثر عملهم النقابي ونشاطهم داخل حرم الجامعة. إضافة للاقتحامات المستمرة التي تقوم بها قوات الاحتلال للجامعات والمدارس. تطرّق حماد إلى ما يعانيه الأكاديميون الذين لا يحملون الهوية الفلسطينية من صعوبات جمة، تُحرمهم من التدريس في الجامعات الفلسطينية، إذ نادراً ما تمنحهم سلطات الاحتلال تأشيرة عمل.
لا تقف الانتهاكات عند هذا الحدّ، تضيف حماد: «يقوم الاحتلال بمنع وصول الكثير من الأجهزة والآلات التي تستخدم في مختبرات الكيمياء والأحياء، أو قد يتركون الأجهزة والأدوات لأشهر على الميناء حتى تتلف. كما أن هناك كتباً ممنوعة بشكل خاص من الوصول، كالكتب الفلسفية أو تلك التي تتعلق بالتحليل النقدي والثورات، أو المطبوعة في دول معادية لإسرائيل، كلبنان مثلاً».
أما في ما يخص الشكل الثاني من الانتهاكات، أي غير المباشرة، فتقول: «إن لغة "سلام غير معادية" أصبحت تستخدم في المناهج الفلسطينية لوصف إسرائيل بأنّها دولة مجاورة، ومواضيع مهمة أخرى يجري تجاهلها، بل حذفها من المناهج، كالنكبة والمعاهدات الدولية، وقصائد لبعض الشعراء الفلسطينيين، ثم أن شمال فلسطين أصبح يدرّس على أنّه جنين». تطلق حماد على هذا الشكل اسم «احتلال المعرفة»، وتنبّه إلى خطورته، باعتباره مساهمة جلية في طمس الرواية الفلسطينية بالرواية الاستعمارية.
تختم حديثها بالتأكيد على دور الحملة الكبير منذ إنشائها في فضح جرائم الاحتلال المستمرّة ضد التعليم في فلسطين. لاسيما مع الالتفاف المتزايد حول القضية من قبل المجتمع الأكاديمي الدولي. تضيف: «صار هناك وعي وعمل أكبر باتجاه إقرار المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، باعتبار المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية جزءاً لا يتجزأ من المشروع الاستعماري الصهيوني».
(غزّة)