أدعى ثائر؛ وربّما سأُعيّن حاكماً على جزيرةٍ نائيةٍ، صخريّة أو رمليّة، كبيرة أو صغيرة، وربّما سيكون لي ما كان للمسيح يوم ولد أو ما كان للبوعزيزي يوم أحرق نفسه. أدعى ثائر؛ ولن أقبل بالقرار هذا لعلمي المسبق بنوايا المخطّطين له. فما يعني وجود حاكم بلا شعب ؟ أو سلطة بحد ذاتها، هكذا مجرّدة ؟ وكيف لي أن أتلاعب بالرّأي العام ساعتها ؟ وأن أقوم بممارسات الحاكم المستبدّ ؟ صدر قرار التّعيين وأصبحت حاكماً. لم أُعجب بالمنصب الجديد ... أعطوني بعضًا من الطّعام والشّراب ومسدسًا محشوًا بطلقة واحدة، سخر مني أحدهم قائلاً بهذا السلاح سيُدمر العالم. ما أن وطئتُ الجزيرة حتّى شعرتُ بالوحدة تتآكلني وبيأسٍ ينخر الجمجمة ... أنا حاكمٌ مجرد من شعبه، حاكمٌ مسكينٌ وحيد وطنه بعيد بعيد. أدعى ثائر؛ وبعد مرور عدة أيّام على وجودي هنا ومع اشتداد السأم بتّ أهتم بظلّي وأحدثه عن أشياء لا يفهمها هو، هذا الكائن الهلامي البسيط. وأنهره احياناً، أقذفه بشتّى أنواع الشّتائم، ولكنّه لا ينفك يلاحقني في النهار. ويختفي في الليل مع تزايد حاجتي إليه نتيجة البرد والخوف... أناديه، أصرخ له واعتذر منه (هل يعيق الليل سمعه؟) بيد أنّه لا يظهر إلا في صباح اليوم التالي. نفد احتياطي الصغير من الطعام ورحت أبحث عن زيتون فلم أجد، بحثت عن برتقال أيضًا، أو أيّ شيءٍ يؤكل، فما عثرت إلا على بقايا سجنٍ قديم، نمت فيه ليلتين أو ثلاث قبل أن أستكمل المسير لأصطدم بجدار عال يعزل الجزيرة عن العالم. سأحاول أن أتذكر إن كنت قد أمرتُ ببنائه. نعم، الآن تذكرت، لقد قمت بذلك فعلاً، أمرتُ ببنائه كما آمر الشمس بالظهور كل صباح لأتمتع بوجود ظلي، ولكن لا يبدو عليه ممتناً لفعلي هذا، إذ لا زال شديد السّواد.. ثمّ ما لبث أن تلاشى في الهواء، كهباء محض، مع أوّل طلقة وجّهتها نحو رأسي.. دوى في الجوّ صوت البارود، وفجأة انطفأ العالم ! *ملاحظة: النص مستوحى من طريقة إعدام انتشرت بين ملاحي السّفن في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكنوع من السخرية كانت تسمّى "تعيين الشخص حاكمًا لجزيرة" أما اسمها الحقيقي فهو "النفي".