حسناً... تفضّلي، اجلسي ودعينا نتكلّم لبعض الوقت اليوم أيضاً. ارتاحي، ارتاحي. هل من الممكن أن ترتاحي، وتريحينني قليلاً؟ إلى متى سأظلّ أكرّر عليك الكلام نفسه من دون نتيجة؟ إلى متى سنظل هكذا؟ أنتِ تركضين وأنا ألهث في أثرك، ولا أتمكّن من اللحاق بكِ. مهلكِ قليلاً، مهلكِ يا رفيقة! ما زلنا في أول العمر، ومنطقياً أمامنا سنوات طويلة نقضيها معاً. ما لكِ شهوانية هكذا؟ ما لغرائزكِ لا تخمد، ولا تعرف الشبع؟ ولِمَ لا تتوقفين عن إقحامي في أمور أكبر مني، لا طاقة لي على إنجازها، ثم تتركينني مرمياً في الفشل، لأنهض وحيداً وألحق بكِ من جديد إلى غمار مغامرة أخرى، تخوضينها ولا تبالين باحتمالات الفشل الكبيرة، التي ستحطمني بتتاليها.
ألم نتكلّم لساعات الأسبوع الماضي في غرفة الجلوس، في هذا الموضوع تحديداً؟ ألم نجلس قبالة بعضنا كما الآن، ثم تمشّينا ووضعت يدي على كتفك وانتزعت منك عهداً بالتمهّل، ومنح أيامي الهدوء الذي أحبه، والذي أفتقده منذ شهور طويلة؟ أين عهدكِ يا رفيقة؟
لا تديري وجهكِ هكذا، رجاءً. ابقي معي قليلاً بعد، أعيريني سمعكِ وانتباهكِ، ثمّة ما أودّ إضافته. لن أسجنكِ. ليس من حقي ذلك ولا يسعُني فعله، لكن أيمكن ألّا تحلّقي إلى تلك الارتفاعات العالية؟ تعرفين أنّني أخاف المرتفعات. ثم نحن لا ننجح، نرتفع ثم نسقط في كل مرة.
لا تضعي عينيكِ على ما لا يمكنني نواله، لا تفكّري بأشياء كبيرة. كوني عادية، وكفى. كوني واقعية يا رفيقة! أنتِ لست وحدك في هذا الجسد الهزيل الفاني، هناك روحي التي أتعبتها أيضاً، وهناك عقلي الذي لا يسعه فهمكِ. لذا، لا تستعبدي كياني، لا تتملّكيه في سبيل تحقيق طموحاتك الكثيرة والجامحة التي لا تعرف التسويات أو الحلول الوسط. أيمكن هذا يا رفيقة؟ خذي هدنة، استريحي قليلاً. أتعبتني، ألم تتعبي أنتِ؟
ثم تعالي لأقول لكِ، تذكرتُ، لماذا تمسكين بخناقي هكذا منذ الأمس؟ انزعي يديكِ عني، أفلتيني، كفّي عن مضايقتي والضغط عليّ! أتعرفين شيئاً؟ سأنطقها، لم يعُد بإمكاني إبقاؤها أكثر: لكم أتمنى أن أتقاتل معكِ، أن أشتبكَ وإياكِ في هذه اللحظة، أن أتحداكِ في عراك بالأيدي، حتى الموت، في أوسع ساحة عامة. لكن لا يمكنني. أتعرفين ماذا يقولون عمّن يشتبك مع نفسه هكذا؟ يقولون إنّه مجنون. هم يقولون ذلك حتى عمّن يتحدّث مع نفسه مجرد حديث ودّي. هي العلاقة معكِ شائكة دائماً.
حسناً، حسناً... انسي ما قلته عن العراك بالأيدي، سامحيني، لقد فقدت أعصابي، لا مجال إلّا أن نبقى صديقين. لكن، وبصراحة، أتعرفين ما المشكلة يا رفيقة؟ المشكلة أنّكِ رفيقة. لا يجب أن تكوني كياناً آخر يجلس أمامي وأكلّمه بهذه الطريقة، يسير إلى جانبي كنِدٍّ، ويركض أمامي. لا يجب أن نكون منفصلَين كما نحن الآن، بل منسجمَين في كيان واحد. أيمكن أن تهدئي إذن، وتعودي لتندمجي معي؟ ادخلي الآن في صدري، مكانك فارغ. أيمكن ذلك؟ أيمكن يا رفيقة؟