"يا كميل؛ إن لكل حركة تحتاج فيها الى معرفة" الامام علي ابن أبي طالب، عليه السلام يؤكد لصاحبه المقرّب؛ كميل ابن زياد، حاجة الانسان الى المعرفة باستمرار، ما دامت حاجته الى الحركة .
المشكلة الحقيقية التي تعاني منها المجتمعات العربية، هي أن الجميع متفق على التغيير للوصول إلى سبل الحياة الكريمة والحرية وإقتلاع الأنظمة الديكتاتورية من جذورها، وأن جميع الأطراف بما فيهم الأنظمة تنادي أيضاً بالقضاء على الإرهاب المتفشي في البلاد العربية، بمعنى أن الجميع مدرك لما يحدث، وأن الجميع يحمل الفكر الاستقرائي للأحداث الواقعة فعلياً، ولربما كانت هناك الكثير من المحاولات كان أخرها ثورات الربيع العربي في بعض الدول العربية التي أصبحت في نهاية المطاف صراعات طائفية وطبقية وسياسية أضفى عليها البعض طابع العسكرة، خرجت الشعوب بإيمان عاطفي بأنها تريد التغيير لتحسين الأوضاع المعيشية والإنسانية التي يعانون من تقلصها، المشكلة ليست في إدراكهم الجمعي بأنهم يعانون من مشاكل، بل بأن لكل شخص هدف ولكل شخص رؤية داخلية يريد الوصول إليها، حتى الأحزاب المعارضة كان لها دور في تقسيم أهداف الثورات إلى مسميات صعدت على ظهر القافية .
الإيمان العاطفي بضرورة التغيير ليس طريقاً سليماً في غياب المعرفة، والسبب يعود لغياب منظومة التعليم والثقافة والقراءة في المجتمعات العربية الذي جعل منها مجتمعات فارغة فكرياً، فإن الشخص الذي يمتلك المعرفة هو القادر على التغيير الإيجابي بطرق ديمقراطية سليمة فاعلة بعيداً عن الأفعال الطائشة والمناداة بمفاهيم تضر بالمجتمع أكثر مما تنفعه، الإنسان الذي يمتلك المعرفة ويعي ما يريد ويشعر بمشاكل المجتمع ويعرف ما هو التغيير المطلوب في مجتمعه، وما هي الطرق التي يجب إتباعها في عملية التغيير، هو الذي يقود المجتمع إلى المسار الصحيح، فلا يعقل أن ينادي جاهل بالتغيير، لأنه بالضرورة سيأخذ المجتمع والأنظمة المعمول بها في الدولة إلى سياسات التجهيل الساكنة في عقله، في مجتمعاتنا العربية لا توجد ثقافة القراءة، حتى منظومة التعليم هي منظومة تلقين تخرّج أصناماً غير قادرين على التفاعل مع المجتمع والتأثير به إيجابياً، كل هذه تشير إلى العبثية التي إتسمت بها الثورات في الوقت الأخير، بمعنى أن الشعب خرج للمناداة بالتغيير والديمقراطية وحرية الرأي، ولكنه في ذات الوقت هاجم المباني الحكومية وحرقها، وإقتحم الفنادق والمتاحف، وأثار الشغب في كل الشوارع، وأقلق الناس في بيوتها، ووصل الأمر إلى التعدي على الممتلكات العامة والخاصة، ليست هذه سياسة تغيير، ولا حتى تعبير إيجابي سليم عن إحتياجات المواطنين .
كما أن هنالك غياب واضح لمؤسسة القانون في الدول العربية، فأغلب المواطنين يجهلون بقوانين الدولة المعمول بها، ويجهلون ما هية حقوقهم وواجباتهم، وبالتالي صار هناك فجوة وهوة بين ما يريده المواطن من التغيير، وبين ما يسعى إليه مسبقاً بإستخدام وسيلة التغيير، في بعض الدول العربية بعد سقوط الأنظمة العربية، نادى البعض عبر وسائل الإعلام ،بفصل موظفون يتبعون للنظام السابق، وإعتقال أشخاص ينتمون إلى الحزب الذي كان يحكم مسبقاً، عدم معرفة الإنسان بالقوانين التي تحكمه تجعل منه عبثياً في ممارسته داخل مجتمعه، كما أن بعض الأحزاب الدينية نادت بمسميات قديمة بثتها إبان الثورات العربية لإرجاع المجتمعات العربية إلى الخلف لا أن تكون هذه الثورة سبيل الناس للتقدم والنهوض والرقي .
وبعد متابعة الأحداث الأخيرة في الدول العربية، لا يمكن القول بأن الشعوب العربية هي شعوب خاملة، لا فائدة منها، بل كان السبب الحقيقي من باب الطرح الموضوعي، هو أن هذه الأنظمة كانت تمارس القمع ضد كل من يخالفها، ضد الإسلاميين بالتحديد واليساريين في بعض الأحيان، هذا الذي خلق إرهاباً مضاداً ضد هذه الأنظمة، وكانت هنالك سياسية ممنهجة لإضفاء مؤثرات خارجية طائفية على هؤلاء الأشخاص ليحملوا في عقولهم سياسة الإنتقام من الجميع، حتى من المجتمع نفسه .
وإن كنا نتساءل عن المعرفة التي نطمح إليها يجب أن نلجأ إلى مصادر معرفية تضمن سلامة المستقبل وتخلو من أي تضليل وهذا ممكن من خلال العمل على تشييد المكتبات والمعارض وتفعيل دور المثقف في المجتمع والإهتمام بفاعلية النظام الإجتماعي .
كما نحتاج إلى منظومة تعليم رائدة في الدول العربية، ترقى بالمجتمع دون التأثير عليه سلباً، نحتاج منظومة أمنية تمنع الإعتقال على أسباب سياسية وطائفية، نحتاج إلى دولة القانون، لا دولة القمع والإقصاء للآخرين، كما يجب أن يكون هنالك دور لوزارات الثقافة والفنون، ومؤسسات المجتمع المدني، في تثقيف العامة وتعريفهم بما يجب أن يكونوا عليه، وبما يجب أن ينتهوا عنه، من خلال خلق ثقافة تحترم الآخر وتتقبل وجوده أي كان إنتماءه الديني والسياسي، وتكريس مفهوم المواطنة الذي بات في عداد الموتى في كل الدول العربية .
لذلك إن إمتلاك المعرفة عنصر أساسي في عملية التغيير للوصول إلى الوعي ومن ثم إلى التأثير الفعلي .