مساء الخميس 13 تشرين الأول 2016 في فندق «مِشمُش» بمحلة الجميزة في بيروت افتتحت الفنانة اللبنانية الزميلة جنى طرابلسي معرضاً بعنوان «رسم المحو»، يضم عشر نسخ مطبوعة رقمياً لرسوم نفّذت بقلم الحبر الخطاط.
استشفت الفنانة المعرض على خلفية سلسلة رسوم تشكّل الجزء الأكبر من المعرض (ستة من أصل عشرة أعمال) تتمحور فكرتها حول قصف مدينة حلب السورية بداية شهر آب الفائت، وهي المهتمة باستكشاف صناعة الصورة كفعل سياسي ـ اجتماعي. «القصف هو نوع من المحو. وكنت من خلال قلم الحبر أمثّل ذلك وكأنّما فعل البناء بالحبر هو بحد ذاته فعل المحو»، تقول طرابلسي في شرحها لاختيار عنوان معرض رسومها الصغير.
في «رسم المحو» توظّف الفنانة البصرية والمصممة الحبر في خطوطه ونقاطه على هيئة أحرف أبجدية مشكّلة العناصر الرئيسة في لوحاتها الخاصة بمدينة حلب، حيث يطغى اللون الأسود تارة ويتزاوج ولوناً برتقالياً نارياً تارة أخرى. تمتد الباء في كلمة «حلب» متحوّلة لأشرعة من دخان، فيما أسفل أعمدة الدخان ترزح المدينة ببيوتها وتفاصيلها على هيئة خط بسيط يمتد عرضاً في فضاء الورق. للحبر في بقية لوحات المعرض دور النسيج، إذ تفرش طرابلسي بساطاً من سطور ونقاط بالحبر توزّع فيه ظلالاً بشرية ونصوصاً مختارة تشكّل العنصر البصري الأبرز في الرسم.
تدور موضوعات النصوص حول أقاصيص الحرب، الهجرة والفقدان، فتحمل إحدى اللوحات نص «الظل والهجير» للكاتب السوري محمد الماغوط الذي جاء فيه: «كل حقول العالم ضد شفتين صغيرتين/ كل شوارع التاريخ ضد قدمين حافيتين/ حبيبتي، هم يسافرون ونحن ننتظر/ هم يملكون المشانق ونحن نملك الأعناق/ ... نحن نزرع الهجير ويأكلون في الظلام...». لوحة أخرى في «رسم المحو» تحمل نصّاً بعنوان «انتهى العرض» لراوول فانيخيم يحاكي فيه مفهوم الفقد والعدمية، بالإضافة إلى لوحة مؤلفة من نص خاص بطرابلسي عن رؤيا راودتها عن اللاجئين المسافرين في طرقات لا تنتهي بعنوان «حلم كل حزن العالم».
عن اللوحات الرئيسة التي تحمل حلب اسماً وعنواناً، تقول طرابلسي إنّها كانت تواجه صعوبة بالغة في رسم أيّ ما يتعلق بما يجري في سوريا منذ بدايات عام 2011. «الحزن السوري كان أكبر من أن أرسمه، إذ كانت الصدمة الحاصلة بحسب واقع الأحداث تكبر يوماً بعد يوم. إلّا أنّ نوعاً من الأمل حضر عندما قام الفتية في حلب بحرق إطارات السيارات لجعل الدخان حاجزاً أمام الطائرات الحربية. كان ذلك فعل مقاومة وأملاً دفعني لأرسم، رغم أنّه ما زال أملاً بين الحزن والفرح».
اللوحة الأخيرة في «رسم المحو» تحمل عنوان «البنت» وتختلف تأليفاً عن بقية المجموعة، إذ تغيب عنها النصوص والأحرف لتتخذ خطوط الحبر تكويناً دائرياً. في الصورة يلتف الدخان المتصاعد من سيجارة الفتاة حول جسدها ليصبح جزءاً منها متجانساً مع شعرها الطويل، فلا يبقى ظاهراً منها سوى الساقين والذراعين. تقول طرابلسي عن ذلك: «في حرب عام 2006 في لبنان عملت على عدّة رسوم تتعلق بالتدخين. في الحرب لا يعود هناك معنى لشيء فنكثر من العادات السيئة كالتدخين حين يصبح كل ما حولنا عصيّاً على الفهم».
يستمر «رسم المحو» إلى يوم غدٍ الخميس في 20 تشرين الأول 2016 في فندق «مِشمُش» (درج مار نقولا، الجميزة ـ بيروت)