يتكرّر إعلان التّغيير في الانتخابات الطّالبيّة في الجامعة "الأميركيّة في بيروت" كلّ عام، وتتكرّر المشاهد نفسها من الحملات الانتخابيّة إلى "شحذ" بعض الأطراف للأصوات أو طلبها تحت شعار أفضل "برنامج انتخابيّ".
لم يتغيّر في انتخابات هذا العامّ سوى شعارات الحملات المرشّحة، وطبعاً انتقال فريق "الاشتراكيّين" إلى التّحالف "الأقوى"، والّذي كان هذا العام تحالف "8 آذار"، في حملة "طلّاب للتّغيير".
صار شعار الحملة المدعومة من قوى الرّابع عشر من آذار "قُد التّغيير" بعد أن كان "طلّاباً للعمل"، وصار العنوان الرّئيس لحملة النّادي "العلماني" "التّغيير يبدأ من حرم الجامعة"، كما ظهرت حملة جديدة باسم "صوت واحد"، أثارت جدلاً كبيراً حول تبعيّتها لطرف سياسيّ أو دينيّ في حين أعلنت أنّها حملة مستقلّة تماماً.
وقف الطّلاب الأسبوع الماضي في مجموعاتهم خلال يوميّ الإعلان عن الحملات. ارتدى تحالف "14 آذار" اللّون الأحمر، فيما ساد اللّون الفوسفوري عند "8 آذار"، واختارت حملة "صوت واحد" الأزرق، أمّا النّادي "العلمانيّ" فوضع مؤيّدوه ملصق "كامبس شويس"، أي "خيار الحرم الجامعي"، على ملابسهم، ولبسوا قمصاناً. ملأت الشّعارات السّياسيّة السّاحة أمام مبنى "وست هول"، وطبعاً الهتافات الدّينية أو الطّائفيّة الّتي كانت تغطّي على الشعارات الحزبيّة. فـ "علي علي" و "عمر عمر"، ورمي كرات، وخلق جوّ لا يرتبط بالرّقي أو النشاط الجامعيّ بصلة صار مقبولاً ولا يحاسب عليه من قبل إدارة الجامعة، في حين يمنع عن الكلام من يقول "8 و14 آذار"، لأنّ هذا يمسّ بقوانينها.
لا تتمّ محاسبة أحد من هؤلاء في حين يقارن عميد شؤون الطّلاب المعتصمين بشكل سلمي أمام مقهى "نستله" في الجامعة بالمستوطنين الإسرائيليّين. أمّا تهديد الطّلاب والخلافات الّتي حصلت على مرأى من الجميع، وكلّ الشعارات الّتي علت خلال فرز النّتائج تصبّ تحت عنوان "التّنوّع والدّيموقراطيّة" في نظر الإدارة.
تنتهي "هرجة" الانتخابات و "المسرحيّة الّتغييريّة" الّتي تصرعنا بها الحملات، ويعودُ الجميع إلى حيث يبدؤون كل عام. فصلاحيات الهيئات الطّالبية محدودة للغاية مهما حاول البعض طرح عناوين كبيرة للتغيير وإيهام الطّلاب بالقدرة على تنفيذها. يقتصرُ عمل كل الرابحين على بعض الأعمال البسيطة الّتي يحوّلونها انتصارات وإنجازات بما يفيد الدّعاية وجذب الأصوات في الأعوام التّالية.
في هذا السياق نشرت جريدة "أوتلوك" الجامعية بيانات توضح إنجازات ومقترحات الأطراف كافّة، ونالت حملة "طلاب للتغيير" (8 آذار) النسبة الأكبر من هذه الإنجازات. لكن مهما زاد رصيد الحملات بهذا الخصوص، فيبقى الأمر الواقع يفرض نفسه بحيث لا قدرة ولا سلطة لأيّ حملة طالبية للقيام بتغيير كبير دون التعامل مع إدارة الجامعة.
انقسمت الانتخابات في الجامعة في الأعوام السّابقة على أساس الاستقلاليّة، بحيث صارت المواجهة العريضة (الّتي قد تحمل مواجهات أخرى ضمنها) بين النّادي "العلمانيّ" لكونه صاحب الحملة "المستقلّة" الوحيدة في الجامعة والأحزاب التي تقع خارج هذا التّصنيف. تعرف حملات "8 و14 آذار" بتبعيّتها للخارج وقراراته، ولا تخفي شعاراتها أبداً، وهذا ما يجعلها دون خطّة مبهمة أو مشروع جدّي. أمّا النّادي "العلماني" فيعلن أنّه الأكثر قدرة على تمثيل الطّلاب والإصلاح من الدّاخل، وهو يعوّل على هذه السّنة (ككلّ سنة) لتغيير التاريخ الجامعيّ من ناحية العمل الطلّابي.
لكنّه صار يصطدم بـ "أعداء" كُثر خلقهم بنفسه لفرضه خطاباً واحداً وحصر أفضليّته بكلمة "استقلاليّة"، واستبعاد جميع مَن لا ينتمي إلى مجموعته ومحاولة "تصغير حجمه"، فلذلك لا يجد دعم أيّ ناد آخر.
ولم يتمّ تنفيذ أي مشروع جديّ أو كبير من قبل الهيئة الطّالبيّة منذ أعوام عديدة، ويمكن أن يقال إنّ أكبر إنجاز لتلك الهيئة هو تغيير دوام العام الدّراسي، بجعل عطلة الميلاد ورأس السنة تقع بين الفصلين، وهذا حصل منذ 5 سنوات على الأقلّ. حتّى تغيير قانون الانتخابات لم يكن له الوقع الكبير لكونه صار نسبيّاً على صعيد المجلس الطالبي فقط، ممّا يجعل التمثيل غير عادل على صعيد الكليّات، كما أنّ المجلس سيبقى عاجزاً عن إحداث أي تغيير جذري لارتباطه بقرارات عميد الطلاب ورئيس الجامعة. العميد هو رئيس المجلس الطالبي مثلاً، وأعلى منصب يمكن أن يصل إليه أي مرشح هو نائب الرئيس.
لهذه الأسباب وغيرها يستمرّ نادي "السنّديانة الحمراء" في الجامعة بمقاطعته للانتخابات، لاعتقاده بلا جدوى الانتخابات في الإطار الذي يتمّ تنفيذها فيه. أوضح النادي أسباب مقاطعته وجوّ الانتخابات من خلال حملة سخريّة كان صاحبها "الخنزير الصّريح جداً"، مرشّحاً للانتخابات مع طرح الأسباب الواقعيّة الّتي تكمن خلف ترشّح عدد كبير من الطّلاب، وإعلانه جديّاً عن مبادرات عديدة لكنّها تفشل بسبب سيطرة قرارات الإدارة. اتّهم الطّلاب النّادي بإهانة المرشحين، الأمر الذي لم يعنه النّادي، وهو ما أوضحه في بيان شرح فيه سبب المقاطعة.
وهكذا تستمرّ الانتخابات في "الأميركيّة" بالسّيناريو المكرّر كلّ عام، لا يتغيّر فيه سوى اسم البطل واسم الخاسر، وتستمر الحملات بـ "تجنيد" الطلاب، ويبقى رؤساؤها في النّشاط ذاته إن كان من مواقعهم كطلّاب أو كمتخرجين قدامى.