"أنت معي دائمًا / في كل لحظة / وجهك يزورني كل صباح / كل مساء".
حقًا، أنت معي دائمًا، في كلّ شيء، في الصخب الذي يملأ الفراغ بين سيارات الأجرة المتقاطعة على الطريق المطلّ أمام نافذة المكتب الردئية. وجهُك كما يقول حسن مطلك في سطره الشعريّ الصغير، يزورني دائمًا. رأيته هذا الصباح مرّ خفيفًا، حاملًا كومةً من الذكريات التي اختلطت مع اللون الذي يظهر سريعًا أوّل دقائق طلوع الشمس. لونها يشبه الذكريات تمامًا، أحمر مختلط بالأصفر مع لون السماء الزرقاء، بنفسجي خفيف، لا يحمل إلّا وجهك الغريب على الصباح، وجهك الذي لا يعرفه إلّا الليل، وسهراته الطويلة مع ضوء القمر.
رأيتك هذا الصباح. "وفوق المدى، كانت الشمس ترقب أقمار عينيكَ حتى تعود..". في المدى، لا فوقه، لا تحته، كانت تطلّ ابتسامة خفيفة، حملتها الطيور القادمة من جهة البحر، إلى جهة الشمس. ذاك الوقت قرّرت فجأة بعد استيقظت على غير عادة، متذمرًا من الوقت القليل الذي قضيته في النوم، قرّرت أن أراك، لست موجودًا في الصور، ولا في أجهزة الكمبيوتر، حتى في سلة المهملات، لم أستطع إيجادك. كانت الصورة غائبة من كلّ مكان، إلّا من ذاكرتي، وعرفت أنّي سأجدها في لون السماء فقط، في تلك الساعة.
لماذا أكتب كلّ هذا؟ ربما لا أعلم، فقط أنا أقوم بكتابة أشياء لا أقدر على فهمها، إنما يفهمها قلبي الغارق في الذكريات. القلب المتحد تمامًا مع الدماغ، كمن يتقرّب من شخصٍ ما ليحصل على شيءٍ ما منه، على غير عادة، قلبي يُريد الذكريات، يُريد زاده الذي سيحتاجه طويلًا في رحلة غيابك.
لا صور، لا فيديوهات، لا نصوص، لا منشورات "فيسبوك" قديمة نلتقطها كلّ صباح في اقتراحات الموقع الأزرق. لا محفوظات قديمة، ولا أوراق كُتبت على هوامش المحاضرات، أو عبارات غريبة خطّها قلم "مونتكس" الرفيق على جوانب صفحات ديوان شعر لمحمود درويش كنت تسترقه من حقيبتي في زحمة الوقت بين الدروس. لا شيء. فقط الذاكرة، هي الملاذ الوحيد المتعلّق بكلّ ما مضى، وهي الملاذ الأخير المتعلق لما تبقى.