العنوان : الثّقافة محنة لذيذة
تاريخ الصدور : 2016
دار النشر : نقوش عربيّة
إنّ أدب السّيرة الذاتيّة مهمّ للإطّلاع على حياة الكاتب و الإستفادة من التّجارب التي عاشها لمدّة سنوات. و كتاب النّاقد و الكاتب التونسي خميّس الخيّاطي ” الثّقافة محنة لذيذة ” الصّادر عن دار نقوش عربيّة يمثّل إسترجاعا لمجموعة من الذّكريات التي إن دقّقنا و تمعّنا فيها نجدها تحاور و تساءل حاضرنا.
من قرية القصور إلى عاصمة الأنوار باريس
يعود خميّس الخيّاطي سنوات إلى الوراء ليسترجع ذكريات طفولته في الشّمال الغربي و تحديدا في قرية القصور أين زاول تعليمه الإبتدائي ليتّجه بعد ذلك إلى مدينة الكاف. هذا الإنتقال كان تحت ظروف قاسية ميّزت تلك الفترة من حياته و أضفت على طفولته بعدا آخر ينقله الكاتب بعد عدّة سنوات و يستنتج أنّها سنوات المحنة على المستوى المادي لما عانته أسرته لتوفّر له ما يستحقّه من مال. لقد أصرّ كاتب ” الدّنيا هبال” على وصف هذه المرحلة من حياته بما فيها من فقر و برد و حكايات، كأنّه أراد أن يخلّد هذه الذّكريات تكريما لمن ضحوا من أجله و من سا عدوه على بلوغ هدفه و لتكون مسيرته حافزا “لكلّ من طلّ من وراء البلايك” . تستفزّ كتابة خميّس الخياطي القارئ و تجبره على المقارنة بين الماضي و الحاضر و هي مقارنة بين جيل ناضل و تحدّى الصّعوبات و جيل آخر إستسلم و إبتعد عن الثّقافة و ظلّ يعاني من محنة الجهل. تؤرّخ تجربة النّاقد خميّس الخيّاطي لحقبة مهمّة من تاريخ البلاد التونسيّة : شباب ثائر منفتح على الآخر المختلف و طامح إلى التّغيير، لكنّها تنقل لنا أيضا ما يعانيه المثقّف من السّلطة كالمنع و التضييق على الحريّات كذلك المحسوبيّة و الظلم إذ يذكر الكاتب أنّه وقع رفض مطلبه للإلتحاق بإذاعة تونس الدوليّة بتعلّة أنّ صوته غير إذاعي ليُقْبَلَ بعد ذلك في إذاعة فرنسا الثّقافيّة و يبقى فيها لمدّة 20 سنة. مثل هذه الحادثة و غيرها تعمّد الخياطي أن يظهر من خلالها الوضعيّة المزرية للمثقّف التونسي الذي يعاني من التهميش و قمع السّلطة و المحسوبيّة و هو ما يجعل الثّقافة في بلدان العالم الثّالث محنة و لكنّها “محنة لذيذة” فالخياطي قبل أن يسافر سنة 1969 إلى باريس حمل معه ثلاثة كتب : “مجتمع الفرجة” لغي ديبور، “أغاني مالدورو” للوتريامون و “رسالة في فقدان الأمل” لكيركغارد. لقد كان الكاتب متيقّنا أنّ المطالعة مهمّة و ضروريّة في حياة الفرد إذ لا شيء يضاهي متعة الغوص في أعماق كتاب “ألم يقولوا أنّه خير جليس!”
رحلة مع السينما
يشير الخيّاطي إلى أهميّة السينما وأثرها على الفرد و المجتمع و يذكّرنا بالفترة التي خلالها كانت نوادي السينما من أهمّ الأماكن التي تكوّن النّخب من خلال الندوات و النّقاشات التي تهتمّ بكلّ جوانب الحياة الثّقافيّة. إنّ قيمة كتاب “الثّقافة محنة لذيذة” الذي يمثّل “شذرات من سيرة ذاتيّة” يتحول في كثير من الأحين و في مختلف المقاطع إلى كتاب يتقصّى أسباب تراجع الإهتمام بالثّقافة من السّلطة و تهميش قطاع السينما خاصّة ( من 90 قاعة إلى 15 قاعة فقط ). خميّس الخياطي الذي يعتبر أنّ علاقته بالسينما هي علاقة حياة و أمل كانت رحلته مليئة بالتجارب فالدكتور في علم إجتماع السينما قضّى حياته بين قاعات السينما في القاهرة و التّدريس في الجامعات الفرنسيّة و غيرها من الذكريات التي تتالى لتكوّن صورا مسترسلة تنقل القارئ من تجربة إلى أخرى و لذكّره في كلّ مرّة أنّ المثقّف يعيش محنة أبديّة و لكنّها محنة لذيذة.