زرت، أنا وعائلتي، مغارة جعيتا للمرّة الأولى خلال الصيف الماضي. لم يكن ذلك ليحدث لولا مجيء قريبتي من الكويت، فهي تكفلت باستئجار تاكسي وشراء التذاكر لدخول المغارة.
درست عن مغارة جعيتا في كتب الجغرافيا في الصفوف الابتدائية والمتوسطة، ولطالما رأيت صوراً لها على مواقع التواصل الاجتماعي. هي واحد من الكثير من المواقع السياحية في لبنان التي درسنا عنها أنا وزملائي في المدرسة من دون أن نزورها. لم تنظم مدرستنا الرسمية طوال فترة دراستنا أي رحلة. الوضع الأمني غير المستقر كان الحجة الدائمة، حتى صار أهلي يستعملونها ليبرّروا تأجيلهم لأي مشوار أو رحلة.
شعرت دائماً بأنّ هناك سبباً آخر لإلغاء هذه الرحلات. إذا قمنا بحسب تكاليف النقل وسعر التذاكر إضافة إلى وجبة صغيرة من المطعم في جعيتا، فسنجد أنّها تعادل مصروف أسبوعٍ كامل لمعظم الطلّاب في المدرسة.
صرت أنتظر كل عام ليحل فصل الصيف، ليأتي أقربائي من كندا وأميركا والخليج، لتبدأ رحلة اكتشاف المعالم السياحية في بلد أعيش فيه منذ سنوات. اكتشفت لاحقاً أن كثيرين غيري يعيشون التجربة نفسها.
***
تنتظر علا كلّ صيف قدوم شقيقها في إجازة من عمله في دبي ليأخذها إلى أماكن جديدة ومعالم سياحية لم تزرها قبلاً. تقول علا (23 عاماً): "يعيش أخي في الإمارات منذ عشر سنوات، ويزور لبنان في كلّ صيف. قبل فترة قصيرة ذهبنا سوياً إلى بيت الدين. كانت هذه زيارتي الأولى للمكان". اللافت أنّ علا طالبة سنة ثالثة في كلية العلوم السياحية في الجامعة "الإسلامية في لبنان"، "أملك سيارة، لكنّني لا أدري لماذا لم أذهب سابقاً إلى بيت الدين!".
أما حسن (25 عاماً) فينتظر هو وأشقاؤه الثلاثة خالهم القادم من كندا، والذي ينظّم لهم زيارات إلى البحر والنهر في الصيف كل عام. إذا لم يأتِ الخال في الصيف فلن يتمكّن حسن وإخوته من الحصول على مشوار السنة الموعودين به. لن يتمكن والد حسن من دفع مئة دولار أميركي أو أكثر، كلفة ذهابه وأولاده إلى أحد المسابح أو الاستراحات.
كذلك حال نيرمين (21 عاماً) ، التي اصطحبها شقيقها القادم من أبيدجان، في ساحل العاج، إلى فاريا وذلك في فصل الربيع من هذا العام. تقول الشابة: "لم تكن الزيارة الأولى لي إلى منطقة فاريا، لكن لهذا المشوار خصوصية، ففيه تمكنت من استئجار المعدات اللازمة للتزلج، وممارسة هذه الرياضة للمرّة الأولى في حياتي". تضيف: "في المشاوير السابقة كنا نكتفي أنا وأهلي باللعب بالثلج والتقاط الصور لا أكثر". تبرّر الشابة اختلاف النشاطات في الرحلتين بالقول: "يعمل أخي في ساحل العاج بمرتب يعدّ مرتفعاً بالنسبة للمداخيل في لبنان، لذا يتمكن من اصطحابنا إلى أي مكان نرغب بزيارته عند قدومه في العطلة".
فيما تنتظر ريم (20 عاماً)، مجيء أختها من السعودية، حيث تقيم هناك منذ زواجها. تصطحبها شقيقتها إلى أماكن سياحية عديدة. في آخر زيارة لها اصطحبتها إلى بعلبك وزاروا قلعتها. تقول: "تبرّر أمي عدم أخذي إلى تلك الأماكن في السابق بالقول إنّني كنت صغيرة، وبالتالي لن أكون قادرة، حسب كلامها، على تقدير قيمة هذه الأماكن والاستمتاع بها كما يجب".
***
غلاء المعيشة والوضع الأمني المتدهور طوال الوقت، حوّلانا إلى أناس أبسط أمنياتنا العيش الكريم والحفاظ على حياتنا. تصير أمور كالسياحة الداخلية، في ظروف كهذه، ثانوية بالنسبة لنا. ننتظر من يشجعنا عليها ممن رحل وأمّن ما نعمل على تأمينه كل يوم.