ما هذه الخفّة؟
لا شيء يؤطّرنا، يُثقلنا، يتكىء على أكتافنا.
لا شعور بالذنب.
ننظر إلى كلّ هذا الركام من حولنا. لا علاقة لنا، صحيح؟
هكذا نتنصّل. هكذا نحيا بخفّة.
صفاء هذا اليوم كصفاء وجه أمّي. ربّما لأني رأيتها صباحاً في قميص سيّدة ستينية؟ رأيتها للحظات متوتّرة وسريعة. رأيتها تماماً كما تتراءى لي في المرآة.
أراها بوضوح. أراها عندما أبكي. أزيد من بكائي فتزداد حضوراً.
أستبدل وجهي بوجهها. أتحسّر على سنين ضاعت، من حياتي ومن حياتها ومن سنين قادمة ضاعت سلفاً. هكذا لا فرق بيننا.
ما هذا الرُكام؟
ما هذا الدخان الذي يملأ المكان؟ من أين يأتي هذا الضجيج؟
هل هذا ما تبقّى لنا من الأسبوع الفائت؟
هذا اثنين جديد. خفّة متناهية، لا شيء يحبس النفس. لا شيء يدعو، للقلق، للاضطراب، للخوف. سكينة تامّة. طريق واضح. تضع مقهاك بين قدميك وتسير. كمن يسير إلى حتفه، إلى جنّته، كمن يخرج من جنة إلى أخرى، كمن خرج من الجحيم إلى الجنّة فالجنّة. كمن خرج التوّ من بين يدي الله. تسير بلا خوف.
كمن أنزل حمولته بين يدين آمنتين، لا شيء ضخما يلفّ الرقاب. لا مسؤوليات.
***
حبستُ يديه بأنفاسي أو إنه حرّر أنفاسي بيديه أو إنّي حبستُ يديه فتحرّرت أنفاسي. لا أعرف.
تحرّرت منها وعلّقتها بيديه.
علقت عيناي على يده اليُمنى. كان يحرّك أصابعها بخفّة فظيعة. خفّة قاتلة. خنقتني.
بدا كمن يتولّى حسابات أحد مصانع الأغطية البلاستيكية.
علقت عيناي بها حتى تيبّستْ. عيناي أو أنفاسي هي التي يبّستها. تجمدّت. ثمّ صارت تركض أمامه. حاول اللحاق بها. لم ينجح. أنا أضحك وهو يركض. كنتُ يده التي يكتب بها. كنتُ تقلّب أصابعه.
أنا لا أراه. أرى منه يديه وقدمه اليسرى.
أنا لا أعرفه.
ربّما لم ألتقيه يوماً.
يحلو لي الاعتقاد أنّه عندما سأختفي سيبحث عنّي طويلاً. تحلو لي فكرة تيبّسهِ من بعدي.
لهذا سأهرب. لأحيا في الوهم.
سأهرب قبل تيبّس الحقيقة في رأسي.
ولا مرّة تغلّبت أصابعه.
ولا مرّة خسرت أنفاسي.