في السنوات الأخيرة أظهر القائمون على غزة اهتماماً بإنتاج أفلام ومسلسلات محلية. وعلى الرغم من قلّة الإمكانيات المتاحة، إلّا أن صنعها يدل على إدراك صانعيها ومموليها لدور السينما في نشر الثقافة والتأثير في الناس.
لم يعد الجهل بأهمية الفن والسينما، كما كان سابقاً، السبب وراء عدم وجود سينما في غزة وإهمال إعادة فتح دور العرض فيها. الحديث عن وجود دور لعرض السينما يدور حول الاستقبال لا الإنتاج السينمائي، لكن إعادة فتح دور العرض سيكون أداة تحفيز للإنتاج السينمائي المحلي، وهو ما سيزيد من وعي مجتمعنا بتاريخه وقضيته ويحقق وصول ثقافتنا وقضيتنا إلى العالم. يمكن قول ذلك خاصة مع كون معظم الدول المنتجة للسينما نجحت عبر أفلامها بنشر ثقافتها في العالم. هذا الأمر لا ينطبق فقط على الدول المتقدّمة بل على دول من العالم الثالث أيضاً كمصر والهند، على سبيل المثال.
لكن حتى نصل إلى مرحلة نبدأ فيها بالإنتاج يجب أن نستقبل أولاً، يجب أن يكون هناك محفز للبدء، وفتح دور العرض هو الخطوة الأولى على هذا الطريق.
في الوقت الذي لا يمانع فيه المسؤولون في غزة عرض المسلسلات الرمضانية وبرامج المسابقات التلفزيونية في مقاهي الشباب، ولا بيع الأفلام الأجنبية في المحلات، ولا إقامة الأندية الثقافية فعاليات عرض أفلام ومناقشتها، إلّا أنّ خوفهم من "انتشار الثقافة الغربية في مجتمعنا" ما زال سبباً لعدم السماح بتواجد دور عرض سينما في غزة. هذه الحجة لم يعد لها معنى في مرحلة أصبح فيها طالب الإعدادي يستطيع تحميل الأفلام من الإنترنت ومشاهدتها. في الوقت نفسه يجهل هذا الطالب تماماً ما يحمّله، فالغالبية تعتمد على الأفلام المترجمة الموجودة على المواقع العربية التي تهتم بالكم والسرعة لا بجودة الفيلم.
عند النظر إلى دولة أخرى تتبع السياسة نفسها في المنع، يمكننا الملاحظة، بدءاً من زمن المنتديات الالكترونية وصولاً إلى الآن مع مواقع التواصل الاجتماعي، أن السعوديين هم من أكثر الشعوب العربية اهتماماً بالسينما، وأنّ الفرق الوحيد بينهم وبين بقية الشعوب هو انتظارهم لثلاثة أو أربعة أشهر لمشاهدة الفيلم بدلاً من مشاهدته وقت عرضه.
"الثقافة الغربية" تحيط بنا من كل صوب، والخوف منها كان مبرّراً في الماضي لكن لا معنى له حالياً. المنطقي أكثر الآن هو محاولة الاستفادة من هذه الثقافة ونشر المفيد منها، فتنتقل خيارات الناس السينمائية في غزّة من العشوائية إلى صالة يعرض فيها أفضل ما تم إنتاجه عالمياً.
إن ردة الفعل على وجود السينما وتأثيرها على المجتمع أو الفرد لا يجب أن تختلف عن ردة الفعل على وجود التلفاز أو الإنترنت أو بقية وسائل الإعلام. ما يميّز السينما عن البقية هو خصوصيتها والمعرفة المسبقة بالمادة المعروضة وإمكانية التحكم بها بالإضافة لاعتبارها وسيلة يمكن استقبالها خارج المنزل، مما يضيف إليها جانب الترفيه.
أدرك أصحاب الآراء المعارضة التي ظهرت في بداية صعود التلفاز أو الإنترنت، وبحجج مشابهة كالغزو الفكري والتأثير السلبي على القيم الاجتماعية والأخلاقية، مع مرور الزمن أنّهم يعارضون الوسيلة وليس المادة المنقولة، وبأنّ تأثيرها يعتمد على ما يعرض وليس على وجودها. بالتالي أصبحت هذه الوسائل الوسائل الرئيسية التي يستخدمونها في نشر أفكارهم. الأمر نفسه ينطبق على السينما.
إذاً يجب أن يكون الرد على أصحاب الآراء المعارضة للسينما عبر التأكيد على أنّها كغيرها من وسائل الإعلام، فيها الحسن وفيها القبيح. أمّا القول باقتصار السينما على الأفلام التجارية، أو اقتصار المطالبة بوجود سينما لعرض هذه الأفلام، فهو ما لا يمكن تقبله، ويوقع صاحبه في خطيئة التعميم و"آفة السيئة تعم والحسنة تخص".
كما خصصنا السيئة في التلفاز والانترنت واستخدمنا حسنتها لمصلحتنا، نستطيع استخدام حسنة السينما للتأثير في المجتمع المحلي كخطوة أولى، ونشر ثقافتنا للعالم كخطوة متقدمة تحتاج للكثير من الخطوات قبلها.