منذ نشأتها، التحقت سينما الحركة الإسلامية في قطاع غزة بخطاب حركة حماس العسكري والسياسي، وكانت أولى الأفلام التسجيلية هي تلك التي صَوَّرت حياة أبطالها من الشهداء.
كانت شاشات العرض في هذه "السينما" تُختصر في شاشة "إل.سي.دي" تنصب ليلاً، بعد صلاة العشاء، في المسجد أو على نواصي الطرق، لعرض الأفلام القصيرة ذات المعالجة البسيطة لمجموعة من المواد الحيّة التي التقطت خلال "العمل الجهادي" لمقاتلي الحركة، ما جعلها تخلو تماماً من أية مشاهد تمثيلية.
الخطاب العسكري الذي يقدّمه عادةً المكتب الإعلامي لكتائب "عز الدين القسام" يتم إنتاجه داخل غرف العمليات الخاصة بالكتائب. لكن السؤال هُنا حول إمكانية إطلاق مسمى "سينما" على إنتاجات حركة حماس الفنية والمرئية.
العاملون في هذه الأعمال الفنية التي أنتج معظمها بغرض التوثيق، أتوا من ميدان العمل الإعلامي في الحركة، من بين الانخراط في العمل السياسي والتعبئة باتجاه المشروع الانتخابي لحركة حماس، وصولاً إلى مراكز العمل الإعلامي في الحركة لحظة تأسيس "شبكة الأقصى الإعلامية" على يد وزير الداخلية في حكومة حماس المقالة فتحي حماد.
***
عبر فيلم "عماد عقل.. أسطورة المقاومة"، إنتاج "شبكة الأقصى الإعلامية"، تمكّنت حماس من إنتاج أول فيلم سينمائي بمدة 153 دقيقة، قصة سيناريو وحوار القيادي في حركة حماس محمود الزهار وإخراج ماجد جندية. يروي الفيلم، الذي عُرض في العام 2012 قصة حياة القائد القسامي عماد عقل (1971-1993) منذ الطفولة وحتى استشهاده وتسلّم قائد آخر قيادة الكتائب خلفه.
يقول الزهار إنّه وبعد مشاهدة أفلام عربية عديدة، منها "أبي فوق الشجرة"، رأى أنّ بالإمكان استيراد سيرة عقل كنموذج حي على بطولة مقاتلي وقيادات "القسام" وتصديرها إلى المشاهد العربي عبر فيلم سينمائي لخلق "ثقافة المقاومة وثقافة حفظ الكرامة".
ويضيف الزهار أنّ تعلّقه بشخصية الشهيد عماد عقل كان منذ دخول الأخير إلى ساحة المعركة مع إسرائيل إبان إبعاد كوادر حركة حماس إلى مرج الزهور في جنوب لبنان في العام 1992، وكان الزهار نفسه في مقدمة المبعدين.
عُرض الفيلم للمرة الأولى أواخر العام 2012 في قاعة مؤتمرات الجامعة الإسلامية في غزة وبحضور قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية، في حين علّق أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، قائلاً إنّ الفيلم رسالة تكريم لروح الشهيد وعائلته وتأكيد على مضي القسام في نهج المقاومة والجهاد حتى تحرير فلسطين.
***
فيلم "عاشق البندقية" هو الثاني من نوعه الذي يُنتج في غزة بعد فيلم "عماد عقل.. أسطورة المقاومة"، والزهار هو من كتب السيناريو هذه المرة أيضًا.
على غرار فيلم "عماد عقل" أتى الفيلم الثاني حاملاً سيرة القائد في كتائب القسام الشهيد عوض سلمي (1968 ـ 2000). حاز الفيلم على المركز الأول في مهرجان اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية في إيران بينما. يعكف الزهار الآن على كتابة سيناريو مسلسل سيتم تنفيذه بعد "رحيله" بحسب تصريح صحافي له على شبكة الانترنت، يروي المسلسل قصة حياة الشهيد محمود المبحوح، الذي كان مسؤولاً عن ملف التسليح داخل حركة حماس، وذلك لكي يكون "نموذجاً يحتذى به للأجيال الفلسطينية القادمة".
الجمود والتردّد في الأداء، إضافة إلى قلة الخبرة وعدم وجود كادر متخصص في شركة الأقصى لم يكن حاجزاً أمام انتشار فيلميّ "عماد عقل" و "عاشق البندقية".
كانت تلك الأفلام نقطة ضوء بارزة في سوق غزّة الفني، في ظل غياب السينما الحقيقية عن القطاع، إضافة إلى عدم وجود دُور عرض للسينما في قطاع غزة منذ ثلاثة عقود.
لكن مشاكل "السينما الحمساوية" لا تعود إلى قلة الخبرة وما إلى ذلك من أسباب ديناميكية، إذ كان اختلاف فقهاء الشريعة الإسلامية على جواز التمثيل وضوابطه في الشريعة الإسلامية، إضافة إلى الاختلاف على حرمة الموسيقى التصويرية المستخدمة في تلك الأفلام من ضمن تلك الأسباب التي عملت على بقاء الإنتاج السينمائي مجرد طفرة عابرة حتّى الآن.
كانت أداة القياس الشعبوي لسينما حماس تتم عبر قراءة المشهد السياسي والأمني مع إسرائيل، إذ لوحظ أنّ إصدار باكورة أفلامها تزامن مع فترة هدوء نسبي مع إسرائيل، ممّا حدا ببعض المحللين في إسرائيل إلى اعتبار ذلك الفيلم مناورة سينمائية تنم عن تمسك حماس بالخيار العسكري والمقاومة المسلحة.
في موضوعاتها التي تناولتها في سينما المقاومة اختارت حماس موضوعات تنتمي بشكل مباشر إلى خطابها السياسي والعسكري وما يلحق هذا الخطاب من ملحقات إعلامية ومرئية، ممّا حدا بها أن تكون بالنسبة للمشاهد العادي في غزة أداة من أدوات التواجد الإعلامي المكثف للحركة في الشارع الغزي، بينما كانت تلك المحاولة السينمائيّة، بالنسبة لجمهور حماس بشكلٍ خاص، تمثّل كل ما يمكن أن تمثله السينما للإنسان. فسينما هوليوود على سبيل المثال هي السينما الحرام!
هناك تصالح مع فكرة التجمّع لمشاهدة فيلم في الأوساط الداخلية لحركة حماس، من دون أن يرافقه تفعيل حقيقي لحقل السينما في القطاع ولو بإنتاج أيديولوجي. لم تحظَ غزة بهذه الفرصة برغم عدم ممانعة وزارة الثقافة إعادة افتتاح دور سينما في غزة شريطة فرض رقابة تتلاءم مع الفكر المحلي للمجتمع بعاداته وتقاليده.