لطالما حلمت نازك كرجية (25 عاماً) بمدرسة للفنون في قلب مدينتها صيدا، التي تواجه يومياً محاولات تغييرها من مدينة جميلة ببساطتها إلى مدينة استهلاكية تائهة ما بين مراكز التسوّق الضخمة ومقاهي الشيشة، والتي ما زالت تحارب عاصفة الطائفية ومحاولات التفرقة المذهبية بين أبنائها. سابقاً عملت نازك كمحاسبة في إحدى الجمعيات غير الحكومية في المدينة، إلى أن جاء يوم اختارت أن تقلب الصفحة وتبدأ فصلاً جديدا في حياتها متحرّرة من قيود الوظيفة. فإلى جانب تخصصها في علم المحاسبة في جامعة "بيروت العربية"، كانت نازك تتابع دروساً في البيانو في المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) لمدة أربعة عشر عاماً، تبعتها بدروس في الغناء الشرقي وتدريب مكثف في الإنتاج الموسيقي، ليصبح عالم الموسيقى محور شغفها الدائم.
في السادس من حزيران الفائت وبرعاية من بلدية صيدا، قامت نازك بافتتاح مركز "فَن" في مكان قريب من الواجهة البحرية للمدينة. مكان صغير مؤلف من طابقين، ـ الأول تستقبل فيه نازك زوار المكان وتعرض فيه بعضاً من انتاجات المركز من لوحات تشكيلية. أما الطابق الثاني فهو "المدرسة". وضعت فيه طاولات ومقاعد أمام لوحة تعليمية تستخدم في جميع الدروس. يقبع بيانو في ركن من الغرفة، فيما تتوزع آلات موسيقية أخرى حولها لتدلّ على هوية المكان. في هذه الفسحة، الصغيرة مساحة والواسعة مضموناً، تقدم نازك ورفاقها دروساً في الموسيقى، الرسم والتصوير الفوتوغرافي، والمسرح. تقوم نازك بنفسها بتقديم دروس العزف على البيانو، فيما يشرف على الدروس الأخرى كل من هشام صانع (غيتار)، آية أبو هواش وهبة وهبي (تقنيات ومهارات في الرسم)، محمود النقيب (تصوير فوتوغرافي)، حسن حريري (عود)، محمد إدلبي (كيبورد شرقي)، ورمزي المصري (طبلة). ولاحقاً سيفتتح صف للمهارات المسرحية وآخر للدروس في عزف الغيتار الالكتروني.
اليوم يشهد المركز إقبالاً شديداً، لا سيّما على دروس الرسم، البيانو والغيتار، إذ يبلغ عدد طلاب "فَن" حوالي 55 طالباً، تتراوح أعمارهم ما بين الأربعة أعوام والثلاثين عاماً. المميّز في الملتقى استقباله للراغبين بالتعلم من جميع الأعمار بصرف النظر عن خبراتهم السابقة في هذا المجال، وهو أمر قد يكون غير متاح في المعاهد الفنية الأخرى كالكونسرفاتوار الذي يشترط أن لا يقل عمر المبتدئ في دراسة العزف على البيانو، على سبيل المثال عن ثماني سنوات. تقول نازك إنها أمام تحد كبير فالحلم أوسع من المساحة الصغيرة التي وجدتها لتحقيقه، "ها أنا قد خطوت الخطوة الأولى. لا أعرف إلى أين ستفضي بي وبرفاقي تجربة فَن، ولكننا بالتأكيد في رحلة سنتعلّم خلالها الكثير".
مركز "فَن" فسحة أمل جديدة في مدينة صيدا، في وقت لا بد أن يكون فيه للفنون دور في حفظ ما تبقى من إرث المدينة.