تُحدث هذه العشبة فجوة بين الزمان والمكان. كنت أتبادل دورة الدخان، مستمعاً لمقاطع موسيقى بين الـ"ambient" والـ"post rock"، وحدث أن سقطتُ فجأة على الفراش، شعرت بنفسي، أهوي عبر هذه الفجوة. وحيدًا، أتقلب بشدة في الفضاء الجديد، وكل ما حولي خيالات من هذه العوالم الجديدة. الموسيقى كانت تساعدني على التقاط بعض المشاهد.
(1)
كنت وحدي أرعى غنماً في سهل أخضر وواسع، حين رأيت، مع الخراف، غيوماً داكنة تحلّ علينا، كان دخانها كثيفاً، كأنّ غابةً ما قد احترقت بالقرب، لم أستطع جمع الخراف التي ارتبك سيرها، وبين ركض تائه ومحاولات عشوائية لطمأنة هذا الجمع المذعور، ظهرت سيجارة مشتعلة ضخمة بين الغيوم، ركضت إليها الخراف حين رأتها. صعدوا على متن السيجارة وصرخوا لي بأن أركب.
***
لدي مجموعة ما من الكلمات ارتبطت بي أثناء تدخين هذه النبتة لأوّل مرة: المسافة، الرياح، الكون، الفضاء، الشعريّة، المسيرة، التاريخ، الأسطورة، الماضي، المصائر، المجهول، الملحمة، الصحراء، الغابة. كل ما هو شاسع، وكل ما هو يمكن أن يحتمل كياناً هائل الاتساع. كان هناك إحساسٌ قويٌ بالرحابة في خيالاتي، بينما أنا راقد على الفراش.
(2)
كنا نرقد على فوّهة بركان، نشاهد السماء والنار. تشعر ببعض الحر، صديقتي، تود لو احترق جناحاها، رفعت إصبعاً نحو نجمٍ في السماء، وقالت: "تأتي مثل الرياح، وتهبط رأساً إلى رماد المدفئة، تخرج من بين الغبار، تنفض ملابسك الشفافة، تتحدّث قليلاً عن الطيران، عن آخر مجرّة زرتها، عن كلب البلدة القديمة، الذي يرقد ليلاً في منتصف الشارع، تحكي لي عن تجربة مرورك عبره. كنت صغيرة، ولم يكن باستطاعتي الرحيل وحدي بعد".
حكت، بينما أنا أتساءل، لماذا لا يحرقنا هذا البركان، الذي نرقد عليه، ونحن نملك جناحين من ريش، وجسدين من زجاج؟
لم أصارحها بهذا السؤال، كنت أشعر نحوها بأنسٍ شديد، لمست أصابعها، كنا أملسين، لأطرافنا برودة محبّبة، عبّرت لها بامتنان حقيقي عن سعادتي بمشاركتها الليلة، ثم بيدي الأخرى، ناولتها السيجارة.
***
هناك شيء ما قد رسخ في داخلي، بعد تدخين هذه النبتة، كنت أملك بعض الأفكار غير الواضحة عن خيالاتي وأفكاري، لم أكن على ثقة بها، مشاهداتي مشوشة، وعقلي مشتّت وغير مرتب. أعادت هذه النبتة الأفكار والخيالات القديمة للظهور مرة أخرى، ولكن بسياقٍ متين وغير متناقض هذه المرة، هذه الرحلات الغرائبية التي جعلتنا هذه العشبة نسافر إليها، ثمّ نعود بعدها سالمين، عزّزت قدرة عقلي على الاتزان، كوّنت أفكاراً واضحة عن نفسي، عن شكل الحياة حولي، وعن الآفاق الواسعة التي يمكن أن يذهب إليها الخيال.
(3)
عرفت أنّني قد وصلت أخيراً، بعد رحلة قاسية دامت لشهور في الصحراء، حين رأيت خيمةً ونبعاً وناقة، ركضت نحو النبع، وجعلت أشرب وأنا ألهث حتى ارتويت. استلقيت بجوار النبع، أنظر نحو الناقة ومن خلفها الشمس الساطعة، حين خرج من الخيمة، شيخ ضخم، يرتدي ملابس قماشية خفيفة، كان في عقده العشرين. رآني فاقترب مني ببطء، وعلى وجهه ابتسامة مطمئنة، جلس بجانبي وأعطاني سيجارة، أخذت نفساً طويلاً، انتظرت، حتى نفثت الدخّان، وقلت له، أخيرًا: "أتعرف يا شيخ، كان عليك أن تذبح إسماعيل".