لويس بلوم، رجل وحيد يعتاش على بعض السرقات الصغيرة. يتمتّع بكاريزما قويّة، وقدرةٍ عاليةٍ على المناورة والإقناع. من خلال حدث بسيط، نراه في بداية الفيلم، يتأثر بلوم وتسيطر عليه الفكرة التي سيعيش عليها لما تبقّى من حياته. يعمل على نفسه بشكلٍ جيّدٍ جدّاً، ويقرّر الاهتمام أكثر بالوظيفة الجديدة من خلال تعيين مساعدٍ له. يقوم بتسويق نفسه، يحاول دائماً الوصول إلى "المرحلة التالية" من العمل بأسرع وقت ممكن. بعد رؤية كلّ هذا الجهد، لا يمكنك إلا إحترام إصرار بلوم على النجاح، لكنّ الأمر لا يقف عند هذا الحد. منذ المشهد الأوّل للفيلم وحتّى النهاية، نشاهد تطوّر شخصيّة بلوم حتى تصل إلى ما وصلت إليه في النهاية من ظلام أسطوري لا يتكرّر كثيراً. هذا التطوّر مقصود توضيحه من قبل السيناريست، لذا، توقّعك لحدث أو لاثنين أثناء مشاهدة الفيلم هو أمر طبيعي. لكنّك لن تصدّق أبداً ، البرودة التي تتمّ بها الأمور، وهذا ما أعتقد أنّه المحور الذي اعتمد عليه السيناريست، وهو نفسه مخرج الفيلم دان جلروي، من أجل خلق الأجواء الخاصّة بالشخصيّة الرئيسية للأحداث.
بكلمات أقل: لويس مختلٌّ عقليّاً، يفتقد لكل معاني الرحمة والأخلاق، ويقضي مجمل أوقاته "أونلاين" محاولاً تعلّم كل ما يحتاجه. أحياناً، يبدو إختلاله العقلي واضحاً، كالمشهد الذي يشاهد فيه أمراً مضحكاً على التلفاز، ليلتفت ضاحكاً وكأنّ هناك أحد يجلس بجواره. يقرّر أخيراً العمل كمصوّر جرائم، يعتمد على تصويرها بشكل حصري، ويحاول الوصول قبل الشرطة لتصوير كل شيء بزوايا مختلفة، وفي عينيه بنظرة المهووس.
كم من مرّة ظهر فيها فيديو لشخص يموت، أو مات بالفعل، فانتفضت مواقع التواصل الاجتماعي ضد المصور، كيف يمكنه التصوير وهناك من يحتاج إلى المساعدة؟ هل التقاط الصورة أهم من حياة وخصوصية الضحية؟ وظيفة البطل المرعبة هي في الحقيقة موجودة وظاهرة في كل المجتمعات، لكن بصورة أخف. هذا ما يعطي إنطباعاً بأنّك مستهدف من هذا العمل، يتم انتقادك أنت كونك تنتمي لهذا الجنس البشري الذي يمارس هذه الأمور بشكل يومي وفي كلّ كارثة. خصوصاً مع ملاحظة أنّ اللوم قد يجتمع على أكثر من جهة، هل يجب ان نلوم لويس نفسه، أم المحطة الإخبارية التي تدفع له المال لممارسة عمله بطرق أفضل، أم الجمهور الذي يشاهد الشاشات ويحتاج فعلاً لمشاهدة هذه اللقطات؟ يمكن أن تكون أنت واحد من هؤلاء، بكل بساطة.
المخرج دان جلروي قدّم واحداً من أفضل التعاملات السينمائيّة مع الليل كحالة مستسلمة تماماً، حيث يقدّم لك لوس أنجليس المفعمة بالحياة نهاراً، كأنّها كائن مختلف تماماً في الليل. في بعض المشاهد ستكون على حافّة مقعدك وستتنفّس بسرعةٍ كبيرة منتظراً نهاية المشهد، وربما نهاية الفيلم بأكمله.
عودة إلى أفلام الأمراض النفسية