العام السادس والستون للنكبة الفلسطينية، وما زال ترحال الفلسطينيين اللاجئين مستمرّاً من مخيّمٍ إلى مخيّم ومن بلدٍ إلى بلد. تحين ساعة الرحيل، فيحمل الفلسطينيون أمتعتهم مملوءةً بكلّ ما جمعته سنوات اغترابهم من ذكرياتٍ وصورٍ وأحلامٍ مؤجلة، لتصير الحقيبة رمزاً للوطن والقضية، تخفّ أو تثقل حسب وطأة الحدث والظرف مرافقة أصحابها قدراً حلوا ومرّاً.
المونودراما المسرحية "أمتعة"، من إخراج هنا شمعون، تعالج مسألة المنفى ومحطات الانتظار المتأرجحة ما بين الهمّ الوطني العام والهموم الشخصية. نصّ المسرحية للكاتب الفلسطيني فاتح سميح عزام، الذي استقى أحداث حياة بطلة العرض فداء من تجربةٍ طويلةٍ أمضاها في مجالي حقوق الإنسان والمسرح، هو الذي كان مديراً لمسرح "الحكواتي" في القدس، بين العامين 1985 و1987.
تلعب دور فداء الموهبة الفلسطينية الشابة، بتول جمال أبو العردات (25 عاما)، متخرجة علم الاجتماع، والتي حلمت بالمسرح واختبرته مع نادي المسرح في "جامعة بيروت العربية" خلال سنوات دراستها، ومن ثم في ورشة تدريبية مع فرقة "زقاق" المسرحية، اختتمت بعرض "اخترْلي برّ"، الذي قدّمته بتول ورفاقها على خشبة مسرح بابل في الحمراء، حيث تشاركوا حكاياتهم ما بين مخيّمات سوريا ولبنان، متناولين هاجس السفر والمنفى في قالب طريف.
اليوم تنفرد بتول بالخشبة ذاتها لتقدّم دور فداء، الفلسطينية اللاجئة التي تقبع في قاعة المسافرين في مطار مجهول، منتظرة رحلة إلى وجهة غير محدّدة، حدودها الوطن والحب والحرية. خلال العرض، تدفع فداء حقائبها المثقلة بالحنين على أرضية المطار الباردة، وتنبش محتوياتها واحدة واحدة، مستعيدةً محطات من الذاكرة الفلسطينية بدءاً بعام النكبة، مروراً بالمخيّمات والثورة الفلسطينية وانتهاءً بالسؤال الذي لا ينتهي حول الوطن والعودة.
تم تقديم عرض "أمتعة" للمرة الأولى عام 2005 في قبرص، تلته عروض في القاهرة، وبوسطن، وسان فرانسيسكو، وادنبره، في إطار مهرجانات لفنّ المسرح كما في فعاليات طلابية. أما العرض الأوّل في بيروت فقد كان في تشرين الثاني الفائت في "الجامعة اللبنانية الأميركية"، حيث تتابع مخرجة العرض هنا شمعون (21 عاما)، تخصّصها في فنون الإعلام والتي تشمل اهتماماتها علم النفس والعلاج من خلال المسرح.
نشأت هنا في كنف عائلةٍ فنيّة، فهي ابنة المخرجين جان شمعون ومي المصري. تقول هنا انّ المسرحية "تصوّر النضال المشترك لكلّ لاجئٍ فلسطيني وثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه القضية". وتثني على أداء بتول العفوي والصادق، والذي دفعها إلى تغيير دور البطولة من رجل إلى امرأة، الأمر الذي أغنى النص، إذ بات يعزّز دور المرأة في النضال الفلسطيني. أما الأمتعة، التي "تتجسد فيها ذكريات الحرب والمنفى"، فهي رمز "الهوية الأساسية لكل فلسطيني"، الهويةٌ التي يظلّ مرتبطاً بها إلى حين موعد إقلاع طائرة العودة.
تعرض "أمتعة" على خشبة مسرح بابل مساء السبت 27 من الجاري، الساعة السابعة مساء، بتنظيم من "عائلات لبنان تساند عائلات فلسطين". ويعود ريع الحفل لقسم العلاج النفسي في مستشفى العودة في قطاع غزة.