إذا رغبت في أمر ولم تحصل عليه فاعلم أنك لم تحلم به كفاية.
غادرت توّاً مخيلة خالقي. السيد فرانز كافكا. شحنت رغبتي في أن أحظى بجسد بكثافة انفعالية شديدة يمكنني، من دون تبجّح، أن أشبهها بالكثافة اللامتناهية للنقطة التي انبثق منها الكون كلّه. هذا، على أيّة حال، الإحساس الذي شعرت به حين رغبت في أن أحيا الحلم الكبير، الحلم بأحرف كبيرة، أن أحظى بجسد!
بلا تردد، حرّرت خطوتي من عالم إلى آخر.
أنا، كما تعرفون، السيد جوزيف ك.
قررت أن أضع المحاكمة بجلساتها، وكامل سوء الفهم البشري العظيم السابق عليهما، خلف ظهري.
لم أنج من طيف الخطيئة الذي يحاكي ظلّي، ومعه طيف العقاب الذي يجدر بي أن أتلقاه جرّاء عجزي عن فهمها، معرفتها، إيجادها، التحدث بلغتها.
لم أنج. وأعلم أن انتقالي بين العوالم يشبه إلى حد ما إطلاق سراح مشروط، وأن الواقعي الذي أنا فيه الآن ليس أكثر من مطمطة للكابوس الذي كنته، وكنت فيه. كابوسي اللامرئي، الغامض، المبهم، الملغز.
الطفل، الذي رآني أوّلاً، يشبه طفل البواب الذي كنت التقيته عند عودتي من الجلسات أو البنك، حتى أنه يدخن غليوناً. سألني: لماذا توجد مواد قابلة للانفجار ومواد غير قابلة للانفجار؟ لماذا انفجر البارود في وجهي؟
أنهى سؤاله ولم يبد عليه أيّ حماس أو فضول لسماع الإجابة. فقلت: عادة، هناك جوابان لكل سؤال، وفيما يخص سؤالك هاك الجواب الأوّل: ينفجر الـ "تي.أن.تي" في وجهك لأن الروابط الكيميائية بين جزيئاته (تستدير عيناه ما تبقى منهما أقصد) أقوى من...
يقاطعني: توقف توقف، ويقول: أريد الثاني فوراً لو سمحت.
فأقول: القدر.
يبتسم الطفل، يمسك غليونه بيده، ويغادر.
أسعى، بصفتي السيد جوزيف ك. إلى إيجاد أجوبة لكل شيء. وأعتقد أنّ هذا كان واضحاً خلال تجربتي مع الطفل. المشكلة أنني مقتنع تمام الاقتناع بأن لكل سؤال إجابتين، غير أن إحداهما هي دائماً الجواب الثاني الذي يقتصر على كلمة واحدة.
لا بأس، الحياة على هذا النحو تمضي بصورة أسلس. الزمن يصبح لا مرئياً، فهو "الشيء الذي يحدث عندما لا يحدث أيّ شيء آخر"، كما يقال.
لا أشعر بالرضى عن نفسي حتى وإن قلت إني أملك جواباً لكل شيء، لكنّي أعلم أن عدم الشعور بالرضى لا يمكن التعبير عنه بمعادلة رياضية، هو أشد الأحاسيس غموضاً. وهو وراء كامل اللامعقول، وجه الغموض، الذي نحياه.
بكلمة واحدة، إن لم يكن القدر هو المسؤول عن وجود طفل بوجه مشوّه فما العمل؟
ما العمل هو السؤال الصحيح، وليس "فمن المسؤول؟".
السؤال الثاني هو السؤال الوحيد في الوجود الذي يمتلك إجابة واحدة، لأنه دوماً يقود إلى مكان واحد، المكان الذي جئت منه: المحاكمة.
بعد أن حظيت بجسد، امتلكت نَفَساً بمعنى ما، فإن كل ما أرغب فيه هو أن أحيا وأقول لمن أراه صباح كل يوم: وداعاً للمحاكمة.
عودة إلى الحياة المجهولة لشخصيّات تحرّرت من كتّابها