"اقتلي الذكوري، وأغسلي دمه!". قد تكون كلمات هذه الأغنية عنيفة جداً لفرقة موسيقية أزيائها ملوّنة بالأحمر والأصفر والأخضر الفاقع، لكنّها تشكّل مع الأقنعة التي يضعها أعضاءها على وجوههم، جزء من العرض الاحتجاجيّ الساخر على النظام السائد في القرن الواحد والعشرين.
***
تيمناً بفرقة "بيكيني كيل" في أوائل التسعينيات، قررت إحدى عشر امرأة، تتراوح أعمارهن بين الـ20 والـ33، إنشاء فرقة للبانك روك في موسكو باسم "بوسي ريوت". هنّ مجموعة من الموسيقيات تبنيّن النسوية كقضية أساسية لهن، يقمن عروضاً احتجاجية مفاجئة، غير مصرّح بها في أماكن عامة. هنّ أيضاً يساريات مناهضات للنظام الرأسمالي، تقام عروضهنّ في الشارع ولا يهدفن لتحقيق الربح المادي. يعمدن دائماً إلى أن تكون عروضهم عفوية وغير قانونية، كنوع من أنواع التمرّد على السلطة. واحدٌ من أهم قواعدهن أن يبقين مجهولات الهوية لذا يغطين وجوههن بأقنعة ملوّنة، كرفض لاستغلال السوق والإعلام لوجه المرأة وتسليعه. كما يعتبرن أنّ هذه الأقنعة توصل رسالتهن بشكل أرقى، لكونها تجعل الأنظار على الفكرة، لا على الشخص والأحكام التي تُخلق ربطاً بشكل الوجه ولون البشرة أو العمر.
خلال العروض، تقوم الفرقة بتقسيم العمل على أعضاءها، بين لعب الموسيقى والغناء وتصوير العروض، ثم نشر فيديوهات قصيرة على شبكات التواصل الاجتماعي.
يوم 21 شباط 2012، اقتحمت خمس شابات من أعضاء الفرقة كاتدرائية "المسيح المخلص" في موسكو. احتلّوا منصّة الكنيسة، وقدّمن عرض احتجاجيّاً ضد الحملة الانتخابية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي كانت تحظى بتأييد الكنيسة. في الليلة ذاتها، حوّلت الفرقة الأداء الاحتجاجي إلى فيديو غنائي بعنوان: "صلاة البانك – أم الرب، أطردي بوتين خارجاً!"، ونشرته على "يوتيوب".
في 3 آذار من السنة نفسها، اعتقلت السلطات الروسية كل من ناديا تولوكونيكوفا وماريا أليوخينا، بتهمة "البلطجة" والتخريب. بعد عدّة أيام، اعتقلت يكاترينا ساموتسيفيتش، كما هربت اثنتان من اللواتي اقتحمن الكنيسة إلى خارج روسيا خوفاً من الاعتقال.
امتلأت صفحات شبكات التواصل الاجتماعي بصور أعضاء فرقة "بوسي ريوت" الثلاثة، وانقسم الجمهور بين متضامن مع الفرقة ورافض للاعتقال، وبين رافضٍ لتصرّف أعضاء الفرقة ومؤيّدٍ لبوتين. كما قامت العديد من الجمعيات النسوية في مختلف البلدان بوقفات احتجاجية، ارتُديت فيها الأقنعة الملوّنة، ورُفعت فيها شعارات كـ"كلنا بوسي ريوت" و"الحربة لبوسي ريوت". انتشر خبر اعتقال أعضاء الفرقة في مختلف التلفزيونات والجرائد العالمية، وتخطت المشاهدات لفيديوهاتهن على "يوتيوب" الملايين.
في 17 آب، ثبّتت المحكمة تهمة البلطة والتخريب بسبب الحقد الديني على الشابات الثلاث، وحكمت عليهنّ بالسجن لمدة سنتين. بعد عدّة أشهر، خرجت ساموتسيفيتش من السجن بعفو صدر بحقها، أما ناديا وماريا فقد نقلتا إلى سجنين مختلفين، قبل أن تخرجا في شهر كانون الأول من العام 2013.
***
بعد مشاركتهما في شباط الفائت في حفلةٍ ربحية دعتهما إليها المغنية الأميركية الشهيرة مادونا، طردت ناديا تولوكونيكوفا وماريا أليوخينا من فرقة "بوسي ريوت"، لتكتبا هذه الرسالة: "عندما سُجنا، اشتهرت فرقة بوسي ريوت وألهمت العديد من النساء حول العالم. تحوّلت من مجموعة صغيرة من النساء إلى حركة عالمية. بوسي ريوت ليست حكراً على أحد. أي امرأة يمكنها أن تكون بوسي ريوت، عليها فقط أن تضع قناع على وجهها وتحمل قضيّة عادلة في بلادها. نحن هنا لسنا "قادة" بوسي ريوت، ولسنا هنا لنطلق الأحكام والقوانين. نحن فقط أعضاء في هذه الحركة النسوية، دخلنا السجن لمدة سنتين لأننا رفعنا قضيتنا واحتججنا".
عودة إلى أغاني التمرّد