امرأة تتّبع عشيقها الذي تركها، أخرى تحاول الانتحار، شابة عذراء "تنكّد" حياة جميع المحيطين بها وامرأة تسعى لقتل زوجها الذي خانها. وسط هذا الكمّ من النساء شابٌ واحد، خطيب الشابة العذراء، على ارتباط بهنّ جميعاً. هذه هي الشخصيات المحرّكة لفيلم بيدرو ألمودوفار "نساء على حافة الانهيار العصبي".
أخرج بيدرو ألمودوفار فيلمه "نساء على حافة الانهيار العصبي" في العام 1988، ونال من خلاله ثلاث جوائز في "مهرجان البندقية"، كما اكتسح "غويا" الاسبانية بحصوله على 11 جائزة، إضافةً لترشيح عن جائزة الأوسكار لأفضل فيلمٍ أجنبي، كان الأوّل للمخرج الاسباني. استخدم ألمودوفار في الفيلم كمّاً هائلاً من الصور النمطية والـ"كيتش"، المأخوذة من أفلام ومسلسلات الحب الرومانسية، وقدّمها بأسلوبٍ مليءٍ بالسخرية والتهكّم، وتتشابك الأحداث في الفيلم من خلال كمّ هائلٍ من المصادفات اللامنطقية.
"الحزن يملأ قلبي، لا تعتقد أنّني سأموت لأنّك توقّفت عن حبّي. الرجل في البار صبّ لي أربعة كؤوسٍ إضافية، سوف أدفع لأطرد هذا الألم بعيداً... إيفان وأنا، انتقلنا إلى هذا المنزل قبل بضعة أشهر. كان العالم يتداعى من حولي، وأردت إنقاذه وإنقاذ نفسي. شعرت أنّي كنوح، في الحظيرة التي أملكها على الترّاس، أردت أن أحفظ زوجين من كل نوع. في كلّ الأحوال لم أنجح بالحفاظ على الزوجين الأهم بالنسبة لي: إيفان وأنا".
بهذا المونولوغ الذي نسمعه بينما تتالى على الشاشة رسومٌ غرامية يليها مشهدٌ لدجاجات تعبث أمام قنّ، افتتح ألمودوفار الفيلم. بيبا التي تعمل كممثلة تلفزيونية ومدبلجة لأفلام أجنبية تتلفّظ بهذه الجمل الافتتاحية، التي تبدو مأخوذة من مسلسلٍ غرامي، كما لو أنّها شخصيةٌ في إحدى هذه المسلسلات، وكذلك هو حال الفيلم بأكمله أصلاً.. يلجأ ألمودوفار في ذلك إلى أسلوب الـ"Myse en abyme" إذ تبدو الأحداث كصورةٍ مكبّرةٍ عن دواخل الشخصيات.
يحكي الفيلم عن أربعة نساء يعانين من مشاكل في حياتهن، هنّ بيبا، لعبت دورها كارمن ماورا، والتي يهجرها عشيقها بعد فترةٍ قصيرة على انتقالهما للعيش سوياً، هناك أيضاً كانديلا صديقة بيبا التي تحاول الانتحار بعد اكتشافها أنّ الرجل الذي تحبّه قبض عليه لانتمائه إلى مجموعة شيعية متطرّفة كانت تخطّط للقيام بتفجيرات في مدريد، إضافةً إلى ماريسا، المتذمّرة دائماً وخطيبة الشاب كارلوس، الذي يأتي معها إلى بيت بيبا بغية استئجاره، بعد أن ضاق الشاب ذرعاً بالحياة مع والدته لوسيا، المرأة الرابعة في دائرة النساء اللواتي على حافة الانهيار، والتي تسعى لقتل زوجها الذي تركها لوحدها، للحاق بعشيقاته. تبدأ المصادفات باكتشاف كارلوس أنّ بيبا هي العشيقة التي ترك والده المنزل من أجلها، ولا تنتهي مع وقوعه في غرام كانديلا في النهاية.
النساء في الفيلم حائراتٌ طوال الوقت، في حالاتٍ مزاجيةٍ متقلّبة وعلى حافة الانهيار، كما يظهر عنوان الفيلم. ترمي بيبا الهاتف من النافذة، وتحرق السرير بالسجائر، بينما تحاول كانديلا الانتحار خوفاً من أن يلقى القبض عليها بتهمة إيواء الإرهابيين، فيما تتنكّر لوسيا وتغيّر شكلها في سعيها الحثيث لقتل زوجها.
حصل بيدرو ألمودوفار على عددٍ كبيرٍ من الجوائز، من بينها أوسكار أفضل سيناريو أصلي عن فيلمه "تكلّم معها"، كما حصل على عددٍ كبير من الجوائز في كان، البندقية وبرلين، ويعد في نظر الكثيرين واحداً من أفضل المخرجين الاسبانيين على قيد الحياة.
تنقسم مسيرة ألمودوفار السينمائية إلى قسمين، يمتد الأوّل من بداية مسيرته السينمائية حتّى منتصف التسعينات، مع أفلام كـ"ماتادور" (1986)، "نساء على حافة الانهيار العصبي" (1988) و"كيكا" (1993). أما الثاني فبدأ بالتشكّل مع "لحم حيّ" (1997)، وتبلوّر أكثر فأكثر مع "كل شيء عن أمّي" (1999) و"تكلّم معها" (2002). وفيما تعتمد أفلام المرحلة الأولى بشكلٍ أساسي على السخرية والكوميديا والـ"كيتش"، تعتمد المرحلة الثانية، الأكثر نضجاً وبراعةً بحسب معظم النقاد، على الدراما والأحاسيس. بين المرحلة الأولى والثانية، يبقى الجنس والعلاقات العاطفية حاضرين أكثر من أي شيءٍ آخر في أفلامه.
عودة إلى أفلام النساء