استند غريغوري نواكي على كرسي مكتبه، لعله أراد أن يظهر باسترخاءٍ تام في مواجهة الدقائق المقبلة. بعينين ثاقبتين تحثّان على المجابهة، نظر إلى بؤرة العدسة الماثلة أمامه، حمل بيده تفاحةً حمراء، وعضّ عليها. وثّقت الكاميرا حركته.
لم تكن العبثية سبب تموضع الشاب مقابل عين آلة التصوير، ولم يقم بفعلته لهدف التسلية. المشهدية التي أرّخها تستحضر بفكرتها قصص السالفين من قاضمي التفاح، لكن نواكي لم يعتزم إعادة تمثيل خطيئة آدم ولا بعث الحياة في الشعار الذي أوجده ستيف جوبز، مؤسس شركة «آبل». أرادها الصحافي البولندي رسالةً يتوجه بها إلى قيصر روسيا. لاحقاً، سيحمّل صورته على حسابه الشخصي على «تويتر»، ويذيّلها بعبارة «قف ضد بوتين: كُل التفاح البولندي، إشرب عصير التفاح. انضم إلى التحرّك، انشر صورتك». وختم بـ«هاشتاغ» jedzjablka# (كُلِ التفاح)، احتجاجاً على حظر موسكو استيراد التفاح من بولندا تحت ذريعة عدم توافق الفاكهة مع المعايير الصحية المحليّة. سيتجاوب بعضٌ من متابعيه مع دعوته، ويملأون موقع التواصل بصورهم. سيغرّدون مستعينين بالـ«هاشتاغ» التي ابتدعها نواكي، سيعترضون بابتسامةٍ.. وتفاحةٍ.
ستتوسع دائرة الاحتجاج: من «تويتر» إلى «فايسبوك» و«إنستغرام»، من بولندا إلى ألمانيا وليتوانيا وإسبانيا، وصولاً إلى الصين. من عالم التواصل الاجتماعي إلى صفحات «بي.بي.سي»، و«درشبيغل» و«الغارديان» و«إل موندو». طلابٌ جامعيون، صحافيون، ودبلوماسيون، كثيرون «سينتشون» تفاح بولندا. سيرفعون الصوت عالياً، ويوحّدونه. سيمتثلون لشيفرةٍ «مُنزَلَة» واحدة، سيجدون لها مكاناً رئيسياً في ذلك المربّع الفارغ ليحيكوا حولها الكلام ويقرنوها بصورهم وفيديوهاتهم وروابطهم الالكترونية. ستنتشر الدعوة للسخرية من بوتين، جامعة المزيد من الداعمين للتحرك حتى يتردد الشعار في أكثر من 7 آلاف تغريدة في غضون 72 ساعة، حسب توبسي، محرك البحث لمواقع الإعلام الاجتماعية.
من خلال الـ«هاشتاغ»، ستتحول المبادرة الفردية التي بدأها نواكي وصحيفته، إلى حملةٍ جماعيةٍ. ستعبر الحدود الجغرافية، تتخطى المناطق الزمنية، وتقفز فوق حواجز اللغة.
لم يكن متوقعاً للـ«هاشتاغ»، عند نشوء مفهومه في ثمانينيات القرن الماضي، أن يصبح أداةً للحراك والاحتجاج. كان وقتها مجرد تقنيةٍ، لتنظيم وتصنيف الملفات المتعددة الوسائط في فئات، حسب موضوعها. تلك التكنولوجيا التي تحوّل جملاً وكلماتٍ متلاصقة مسبوقة برمز الشبّاك أو (#) إلى مصطلحات بحث على «تويتر»، اكتسبت منذ العام 2009 بعداً نضالياً. لن يسمح الـ«هاشتاغ» للمغردّين بمتابعة محادثة مترابطة حول موضوعٍ معين فحسب، بل سيمكّنهم من خلق ضجةٍ شعبية حوله في حال تكثّف الترويج للرمز اللغوي الموحد.
سيلعب الـ«هاشتاغ» دور الجسر المؤدي إلى مساحةٍ مشتركة، تُنهض قاصديها من سباتهم، وتحثّهم على ممارسة حقهم في التعبير والإدلاء بوجهات نظرهم أمام منتدى وُجد للنقاش. أتاحت هذه التّقنية خلق نوعٍ من الوعي العام حول قضايا سياسية، اجتماعية، ومدنية، عبر توحيد مجمل المساهمات والتعبيرات الشخصية الدائرة في سياقٍ واحد، ضمن منصةٍ مفتوحةٍ وعمومية، ومن خلال نقش مكانٍ لها في الحيوات والأحاديث اليومية للمتصلين بالشبكة العنكبوتية والمنفصلين عنها. ليس من قبيل المبالغة إيعاز جزء كبير من الفضل بالاهتمام الشعبي بمسألة الفتيات النيجيريات المختطفات، أو بدعوة مسؤول تركي نساء بلاده إلى الكف عن الضحك في الأماكن العامة، أو باضطهاد مسيحيي الموصل، إلى حملات المعارَضَة والتضامن والتنديد في فضاء الويب، والموسومة برموزٍ أضحت من المسلّمات المعرفية. خلقت هذه المفردات نوعاً جديداً من التظاهر في العالم الموازي للواقع الحسي. نشاطٌ حركيٌّ وافتراضي، لكن ملموس النتائج، يشق الطريق أمام بعض القضايا الآنية إلى النور، يقصفها باتجاه الأعين، يمدّد حضورها في الضمير الجمعي، ويُشيعها.
لم تفلح الحملات الموسومة حتى اليوم بإقناع المد الشعبي بالانسحاب من الساحات والسفارات والمقرّات الرسمية، والتمركز بدل ذلك وراء الشّاشات. لن تصبح مناوارت الـ«هاشتاغ» بديلاً عن المسيرات والتحركات، لكنها ستدعمها بفتح جبهاتٍ جديدة للتعبير، تخلق لها حيز وجودٍ جديدٍ على الحسابات الشخصية، وفي الهواتف المحمولة. ستضيف على حناجر الشارع تغريدات أسراب هائلة من الـ«تويتريين»، فيعلو الصوت ويتعاظم صداه.
خلال العدوان الحالي على غزة، استُعمل الـ«هاشتاغ» كسلاحٍ في الحرب «السيبرانية» على إسرائيل. استعمل وسم #GazaUnderAttack (غزة تحت الهجوم)، في أكثر من سبع ملايين تغريدة حتى اليوم. بينما ورد #FreePalestine (فلسطين حرة) حوالي ثلاثة ملايين مرّة على «تويتر»، في قرابة شهرٍ من الزمن. أما مصطلح #ICC4Israel (المحكمة الجنائية الدولية لإسرائيل)، فقد حصد أكثر من مليوني مشاركة منذ بدء الهجوم على القطاع. المنازلة الالكترونية المواكبة للحرب المستعرّة على الأراضي الفلسطينية ولّدت أيضاً «هاشتاغ» #IsraelUnderFire (إسرائيل تحت النار). وسمٌ لم ينجح كمصطلحات الجانب الفلسطيني في الرّواج والتأييد، ليُتداول أقل من أربعمئة ألف مرة، خلال الفترة عينها.
ليس بمقدور حملات التكافل والاستنكار على الـ«ويب» مهما استمدت من قوة شعبية، التأثير وحدها على الواقع، لكنها تنفح زخماً في الحراك وتغييراً في ديناميات النشاط الاجتماعي. ستحشد الـ«هاشتاغات» المزيد من أصوات الدعم والإدانة، وتضع الراغبين بالانضمام في عين الحدث، ستقولب الرأي العام، وتغيظ حتماً بوتين، نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج، و«جيش الدفاع» الإسرائيلي.