القصة الكاملة متكوّمة في تلك الزاوية من ذلك الشارع في مدينة النبطية. قصة مدينة بانتماءاتها المتعددة يمكن رصدها بمجرد الوقوف عند أول الشارع الضيق المتجه صعوداً.
***
على الجانبين، أسطح البنايات القديمة غير الشاهقة تمسك أطراف خيوط تعلّقت بها جميع أعلام الدول المشاركة في المونديال. تتداخل الخيوط وترفرف الأعلام الصغيرة من دون تحيّز لدولة على حساب أخرى. الأجواء في الأعلى تبدو رياضية بامتياز، إلا انّ أعلاماً ذات خلفية سوداء لا تزال حاضرة منذ وضعها أحدهم في مناسبة ذكرى عاشوراء قبل ثمانية أشهر. هنا لا ضير في الإبقاء على رمزية ما، ما دامت ستتجدّد سنة بعد أخرى.
ضحكة عالية تتبعها جملة واحدة بنبرة أنثوية حازمة: «مش قاريينكن»؛ الصديقة المشجعة للفريق البرازيلي تردّ بثقة تامة: «عادي.. بكرا منعلمكن كيف تقروا». صوتا الفتاتين يغيبان مع ارتفاع الموسيقى الحماسية للأغنية التي تشيد بأحد الزعماء على أنه خير خلف لخير سلف.
الالتفات إلى مصدر الصوت يوضح جزءاً آخر من المشهد: على الرصيف الملاصق للمحلّ الصغير، أعلام الأحزاب «الوطنية» متوفرة دائماً. لكنّ الموسم الكرويّ يتمظهر هذه المرة جلياً. الأعلام الأكبر حجماً هي أعلام القطبين الرئيسيين في لبنان: البرازيل وألمانيا. أعلام الدول الأخرى ذات الجماهير الأقل عددا متوفرة أيضاً لكن بأحجام متفاوتة. هنا، في مثل هذه الاجواء، يصبح عادياً أن ترى العلمين الأميركيّ والإيرانيّ مرفوعين الواحد إلى جانب الآخر. الروح الرياضية تبدو متجلية بأعلى درجاتها!
الى جانب تلك الزاوية من ذلك الشارع تتوقف سيارة مغطاة بعلمي البرازيل وألمانيا، ومعروض على جزئها الأماميّ مجموعة من الأكسسوارات لزينة السيارات خلال فترة المونديال. أمّا البضاعة ذات الأسعار المنخفضة نسبياً بالمقارنة مع باقي المحال في المدينة، فهي تقتصر فقط على الفرق ذائعة الصيت التي لم تخرج من المونديال بعد.
***
لا شيء غير مألوف يحدث مع تعاقب المواسم في تلك البقعة من الأرض. قصة مدينة تحكيها أعلام متعددة بينها علم يتيم، وبعض المقاهي التي تفتش عن روادها بأسعار مخفضة قبل انقضاء المساءات الكروية، والقليل من رائحة القهوة العابقة في المكان.