"ثمّة جرائم أعظم من حرق الكتب، إحداها هي عدم قراءتها"
(جوزيف برودسكي)
"استنادا الى احصاءات راهنة لمؤسسة الفكر العربي، كل فرد عربي يقرأ بمعدّل ربع صفحة سنويَاّ. حقيقة صادمة، أليس كذلك؟". بهذه الجملة تبدأ نجوى سحمراني (26 سنة) من طرابلس بالتعريف على مشروعها "الكندي" الذي أطلقته على موقع "Zoomal" لحشد تمويل متعدّد المصادر، يمكنّها من تحقيق هذه الفكرة. ويبدو أن الحقائق الاستفزازية التي نشرتها قد نجحت في الوصول الى مبتغاها، فالحملة استطاعت أن تجمع نحو 68 في المئة من المبلغ المنشود، بمساهمة أكثر من 100 فرد، في مهلة قياسيّة تنتهي في 17 حزيران القادم.
"الكندي" هو أكثر من مكتبة عامّة، وهو لا ينافس المكتبات العامّة الأخرى الموجودة في طرابلس، التي تعاني من قلّة أو انعدام الروّاد، بل يندرج في إطار المساحة الاجتماعية الّتي توفّر لشباب المدينة فرصة التّلاقي وإقامة النشاطات الثقافية والترفيهية، ليكونوا جزءاً من "عالم يحيا بالقراءة" هم بحاجة إليه.
فكّرت نجوى سحمراني أنّ هذه المساحة غير متوفّرة، وللتأكد من فرضيّتها أجرت استطلاع رأي موجّه إلى شباب الجامعات في المدينة، ليتبيّن لها من 500 عيّنة أن 80 في المئة من الشباب لم ينهوا قراءة كتاب واحد في سنة. لكن 40 في المئة منهم يندفعون إلى القراءة إن وجدوا أن رفاقهم بادروا إلى ذلك. تقول نجوى: "يُعتبر الشباب القارئ أقلية في بيئتنا. الكتاب فكرة، والأفكار عادة ما تكون خاصّة، لكن السلوك مظهر عامّ يراه الجميع. لذلك قرّرت ربط الكتاب بسلوك اجتماعي لتنتقل العدوى من فرد إلى آخر فنصبح بفعل تراكمي أكثرية قراءة".
قبل إطلاق الإحصاء، كان يتعيّن على صاحبة الفكرة أن تسمّي مشروعها. تقول نجوى انها تحبّ الأسماء العربيّة، وقد درج في السابق أن تطلق دور الكتب أسماء مفكّرين وفلاسفة. وكان "الكندي" ملقباً بفيلسوف العرب، ومن أوّل المهتمّين بترجمة الفلسفة اليونانيّة إلى العربيّة.
يضمّ "الكندي" أربعة أقسام رئيسية هي: مكتبة صغيرة للإعارة ومتجر لبيع الكتب، غرف مخصصة للدراسة مجهّزة بجدران عازلة للصوت، قاعات مطالعة، وغرفة اجتماعات تفتح أبوابها لأصحاب المبادرات الاجتماعية، بالإضافة إلى مقهى لا يقدّم النرجيلة، وهو تفصيل يشذّ بحد ذاته عن مفهوم المقاهي المتعارف عليه في طرابلس.
يتكوّن فريق "الكندي" المتطوّع من أكثر من عشرة أعضاء، لم يتركوا مساحة افتراضية أو حقيقيّة من دون استغلالها للترويج لهذا المشروع. بدأوا بتخصيص قناة على "يوتيوب" وإنتاج فيلم قصير، وتناوبوا على تنشيط زاوية من معرض الكتاب الدولي في طرابلس خلال الشهر الفائت، أقاموا حملة تمويل الالكترونية، وأطلقوا صفحة على "فايسبوك" تحمل اسم المشروع.
بدأ الترويج لهذه الصفحة عبر مبادرة "Bookselfie" التي تقضي بعرض صور "سلفي" لأشخاص يحملون الكتاب الذي يقرأونه. "عدوى القراءة" التي تحدّثت عنها نجوى بدأت تظهر عبر التعليقات على هذه الصفحة. تقول ياسمين شهال مثلاً: "أنا امرأة عاملة وأمّ لأولاد، ولم أكن قادرة على تخصيص وقت للقراءة. بعد دخولي لهذه الصفحة عادت الفراشات تتحرّك في معدتي، كمن يشعر بعوارض الوقوع في الغرام. توجّهت الى مكتبتي وانتقيت كتاباً أقرأه". أمّا محمّد ميقاتي، فيقول انّه لأول مرّة يتم قراءة كتاب في غضون بضعة أيام.
ينوي القيّمون على المشروع افتتاح "الكندي" في أيلول 2014 المقبل. وينطلقون من مبدأ اختراق عالم الشباب، والمبادرة إلى تقليص المسافة نحوهم، ليتمكّنوا من تشجيعهم على القراءة. ومن المتوقّع أن يقام "الكندي في شارع "الضم والفرز" الذي يعتبر شارع المقاهي الشبابية في طرابلس وأحد أرقى أحيائها، الأمر الذي يطرح مسألة إقصاء الحيّز المكاني الراقي للشباب الأكثر فقراً وحرماناً في المدينة. تقول سحمراني: "شباب الطبقات الوسطى والأغنياء ليسوا أقلّ حاجة الى الكتاب. وسنعمل على استقطاب شباب المناطق المهمّشة من خلال الجمعيات والنوادي المنتشرة في تلك الأحياء".