الساحة تتسع للغضب... والإحباط
 
"مين 14 آذار؟ نحنا 14 آذار!"، يقول سايد (24 سنة) بحزم. في الـ2005، كان اندفاع سايد ورفاقه كافياً لكي يفترشوا أرض ساحة الشهداء لأكثر من 10 أيام. بعد استشهاد الحريري، كانت الأجواء مشحونة، فظن الشباب أنهم يقفون أمام فرصة تتيح لهم إيصال صوتهم.
لم يخطئوا الظن حينها، بحسب ما يقول سايد. فالانتصارات التي حققوها ليست بقليلة: "فرجينا المجتمع الدولي إنو في رأي حرّ بلبنان، مش متل ما كانوا مفكرين. سقّطنا حكومة هي نفسها الحكومة الحالية، ساهمنا بانسحاب الجيش السوري من لبنان، بيّن إنو في وحدة وطنية لأول مرة كنا عم نشوف الصليب والهلال مع بعض، والجامع والكنيسة عم يصلوا مع بعض". يعدّد سايد سلسلة الانتصارات هذه بفخر، ويتفق معه معظم شباب 14 آذار حولها. لكن سايد يعود ويختم: "بعدين خلص، كل شي انتهى"، وهذا ما لا يتفق عليه الجميع.
تقول ابنة القبيات التي تبلغ من العمر 26 سنة، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، أنها شاركت في تحركات الـ2005، وكانت تود المشاركة في تشييع الشهيد وسام الحسن لو أن ظروفا عاكستها. فظنها لم يخب في قيادات ثورة الأرز التي مهدت لمرحلة انتقالية على صعيد البلد، على حدّ قولها. "صحيح، كلامها صحيح. مهدت ثورة الأرز لمرحلة انتقالية، ولكنها اكتفت بالتمهيد"، يعقب سايد.
بهاء (22 سنة) مثلا، يبدو عليه أنه لا يزال يعيش على أمجاد ما يسميه بـ"خروج السوري": "شاركت بثورة الأرز بالـ2005 اللي حققت انسحاب الجيش السوري من لبنان". أما ريم (19 سنة)، فتعترف بعدم ضلوعها في السياسة. وعلى الرغم من ذلك، كانت متوجهة إلى ساحة الشهداء للمشاركة في التشييع لولا أنها فضلت العودة إلى مدينتها طرابلس خوفا من قطع الطرقات لاحقا. تقول ريم إن ثورة الأرز "فيّقت الشعب على الوضع اللي نحنا فيه، وخلّت الشعب يتحرك ويعبّر عن رأيه". وتختم: "هيدا اللي بعرفه...".
لا شك في أن ابنة عكار مؤيدة شرسة لقوى 14 آذار، ولكن هذا لا يعني أنها تتفق معهم في كل القرارت والمواقف. "اللي بوافق عليه هو المطالب نفسها: لبنان بلد حرّ، سيّد ومستقل. نقدر نعيش بكرامة. طول عمره لبنان منارة الشرق، وبلد ديموقراطي، وهيدا اللي بدي ياه يرجع". ما لا يعجبها في أداء قيادات 14 آذار هو نفسه ما لا ينال إعجاب سايد أيضا: المساومة على بعض الأهداف الرئيسية، التسويات مع قيادات من الطرف الآخر، و"المسايرة" بشكل عام. "كانوا بموقع قوة، كان فيهم يفرضوا شروطهم هنّي وبالحكم. كان فيهم على الأقل يكونوا أكثر إصرارا بموضوع المحكمة الدولية"، يقول سايد. ويضيف: "بس ما كانوا يرضوا إلا بالشراكة والمساومات والاتفاقات الجانبية".
لا يتردد بهاء ثانية في الاعتراف بأن 14 آذار، وجمهورها، وثورة الأرز ككل لم تعد كما كانت في السابق. برأيه، الأعداد التي تجمعت في ساحة الشهداء الأحد الماضي ليست بحجم أعداد الـ2005، والحماس أيضا ليس نفسه. والذين شاركوا بالتشييع إما تجمعوا ليوم واحد فقط، هو يوم التشييع، وإما لأسبوع واحد فقط قبل أن يعودوا أدراجهم. وعن محاولة اقتحام السرايا والاشتباكات التي حصلت بين المتظاهرين وقوى الأمن، يجيب بهاء: "100 شبّ بيسكروا ساحة الشهدا إذا بدهم! مش هيدا هو الحماس".
لم يعد بهاء مؤمنا ببداية جديدة لثورة الأرز. وذلك لأن الشعب، برأيه، فقد الثقة بالطرق السلمية. "الشعب يئس!"، يقول بهاء الذي يريد لثورة الأرز أن تستعيد مجدها، غير أنه متأكد من أنها لن تكون سلمية هذه المرة. هذا ليس رأي بهاء الشخصي، فلو عادت الأمور له لكان فضّل ثورة سلمية. لكن الواقع، بحسب ما يقول، مختلف. "الواقع بيّن إنو بالورد والشعر وهالحركات مش رح يمشي الحال".
لا تجد ريم بصيص الأمل الذي تحتاجه في هذه الفترة إلا عند 14 آذار. ففي النهاية، قيادات 14 آذار هي التي طرحت شعار "حرية، سيادة، استقلال". وما زالت هذه القيادات تدفع ثمن طرحها شهداء ودماء، بحسب ريم. "أنا بدي عيش بوطني بسلام، باستقرار. مين غير 14 آذار عم يطرح شعار السلام والأمن؟" لا تعتبر ريم نفسها مؤيدة لأي من 14 أو 8 آذار، فلكل منهما أخطاءه ولكنها تفضل الأول على الثاني. "أكيد 14 آذار عندهم أخطاءهم، لو ما هيك كان البلد أحسن بكتير. أنا من طرابلس، نواب طرابلس عن قوى 14 آذار شو عملوا لطرابلس؟ ولا شي. كل ما هي عم ترجع لورا أكثر".
"ميت مرة جبان ولا مرة الله يرحمه"، هكذا تبرّر ابنة عكار تقصير قوى 14 آذار أثناء استلامهم الحكم. "قطعوا بفترة ما بينحسدوا عليها، كانت كل عمليات الاغتيالات عم تستهدفهم إلهم"، وتضيف: "ثورة الأرز ما خلصت حتى ترجع تبلّش. وإذا في تحركات جديدة أكيد بنزل، إذا الشباب ما نزل مين بينزل؟".
على عكسها، يرجح سايد أنه لن يشارك بتحركات 14 آذار، فهو يعتبر أنه وشباب كثر مثله قد خدعوا من قبل قيادات 14 آذار. "بس نحنا منتنفّس هوا 14 آذار، ونحنا 14 آذار، وتفكيرنا هو النهج الأصلي والصحيح لـ14 آذار". يتفق بهاء مع سايد في هذه المسألة، فهو أيضا لم يعد يثق بقوى 14 آذار. أما التناقض الذي يظهر نتيجة فقدانه الثقة وتلبيته دعوتهم للمشاركة في التشييع، فيشرحه بهاء ببضع كلمات: "أنا أثق بسمير جعجع". لذا، سيشارك بهاء بأي نشاط لهذه القوى، طالما أن "الحكيم" مشارك به.
لا تريد ريم لثورة الأرز أن تشتعل من جديد. "انشالله ما ترجع. ما بعرف". لكن كيف تفسر سبب رغبتها في المشاركة في التحرك طالما أنها لا تريد العودة لثورة الأرز؟ تجيب أيضا: "ما بعرف. ما بعرف". تتلعثم وتحتار، قبل أن تستقر على إجابة واحدة: "ما بقا بدنا عالم تموت".