اليوم هو الجمعة واليوم الذي يليه هو الأحد ! هكذا اعتاد أحمد ان يفعل، ان يأخذ أدويته المعتادة والمقسمة لثلاث جرعات في جرعة صباحية واحدة مع حبتين منوم ويجبر نفسه على النوم طيلة نهار السبت. هو ليس متديناً يهودياً او مسيحياً. في الواقع هو لا يعلم الكثير عن الدين، او عن اي شيءٍ آخر. لا يجيد القراءة ولم يدخل المدرسة يوماً بسبب الفقر المدقع الذي عاشه والداه قبل ان يأتي هو وبعد ان رحلوا هم مبكراً ... كان نهار سبت عندما أخبره أحد أهالي المخيم أنهم عادوا إلى فلسطين. بالطبع كانت هذه كذبة وهم لن يعودوا الى فلسطين إلا بعد التحرير وهذا اذا اتُخذ قرار إعادة الأحياء والجثث ايضاً ! هكذا اعتاد أحمد ان يتلقى الأخبار السيئة في كل سبت... كبرَ أحمد على مهنة المسيح في المنشرة القريبة من المخيم واعتاد شرب الشاي بكثرة، لا ينظر لنفسه على انه نجار متدرب ولا كأمّي ولا حتى كشاربٍ للشاي ... لم يكن يفكر بوجوده. فكان رغيف الخبز الساخن الذي يبتاعه من فرن المخيم الوحيد ويهرع به راكضاً الى غرفته ليلتهمه مع الزيتون هو كل ما يُشعره بالحياة ... ما حدث كان مفاجئاً ففي نهار السبت ٦ تشرين الأول ١٩٧٣ قامت سوريا ومصر مدعومة اقتصادياً وعسكرياً من بعض الدول العربيّة بشن هجوم على اسرائيل. كانت المرة الأولى التي يتلقى فيها خبراً ساراً في مثل هذا اليوم الذي اختاره للعطلة الاسبوعية، نهار الشؤم الذي ولد فيه وفيه تلقى خبر موت منجبيه (لم يكن قد طور عادة النوم طيلة السبت بعد). كان لديه سبب للتفاؤل الآن فالمخيم يضج بالحياة والراديوهات تصدح بأخبار المعارك. أحمد لم ينم تلك الليلة ولم يهدئ قلبه وعقله اسوةً بأهل المخيم حتى انه رتب حقيبته للعودة. كانت المرة الأولى التي يشعر فيها بالسعادة المطلقة والانتماء والحياة . ليل الجمعة في ١٢ تشرين الأول بعد عودته من المنشرة ومع مغيب الشمس جلس أحمد وصلّى بأن لا تغيب كي لا يأتي نهار السبت المشؤوم حاملاً معه خبر الإنكسار... *** ( الآن اتخيله النبي يشوع الذي خرج ببني إسرائيل من التيه ودخل بهم أورشليم. بعد حصار وقتال، وعندما صار النصر قاب قوسين أو أدنى كان يوم الجمعة واليوم التالي هو يوم السبت وهو يوم السبوت وعدم العمل، وان دخل عليهم المغيب لدخل بغياب الشمس يوم السبت، فلا يتمكنون معه من القتال. نظر يشوع إلى الشمس ودعى ربه بأن لا تغيب حتى يتم استثمار الهجوم والنصر، وكان له ما أراد، بقيت الشمس معلقة في الهواء! ) *** بعد فترة خفتت اخبار المعارك وكان قد تلاشى أمل العودة منذ زمن وعاد المخيم لهدوئه المعتاد وعرف أحمد ان خبر النصر كان كذبة وهزيمة اخرى ليس لفلسطين بل له شخصياً. هزيمة امله بعيش حياة هانئة . طور أحمد عادة النوم نهار السبت وتمنى لو يمكنه ان ينام في كل الأيام. لم يرَ صديقنا من الحياة إلا جدران المنشرة و أزقة المخيم ورحل بصمت كما رحل الكثيرون.