"جميعنا نعيش في غواصة صفراء"
استيقظ باكراً على غير عادته، وعلى غير عادته أيضاً، لم يتردد عندما اختار أن يرتدي قميصه الأصفر، يبدو أن الطقس حار في الخارج، تماماً كارتفاع حرارة جسمه المصاب بالحمّى منذ يومين. لا يدفعه إشمئزازه من بقع العرق فوق ملاءة السرير إلى تغييرها، يقول في نفسه ما يقوله كل صباح "سأغيرها عندما أعود في المساء". غسل بما ترسب من ماء في قعر الخزان، وجهه المنتفخ كحبة بوملي ضخمة وانصرف.
في الشارع لا شيء جديد، صور لشبان ذات خلفية صفراء معلقة على عواميد الإنارة الصفراء أيضاً، ابتسامات المارة، الإشارات فوق سيارات الأجرة، أسنان السائق المبعثرة كحبات الذرة المعلبة، واجهات المباني القديمة، الغبار، آثار الشمس على أوراق الجرائد، عمال صيانة الطرقات بملابسهم الفوسفورية، أثر الخريف على الرصيف. ليس ما في المدينة ما يدعوه للحزن، أو للفرح.
يصل إلى مكتبه، لن يطلب من مديره أن يغير له طلاء الجدار الذي كان أبيضاً منذ عشرين عام وأضحى اليوم بلون الفانيليا، سيقول له بعد أن يضع يده المطوقة بساعة قديمة من الذهب على شارباه اللذين صبغهما دخان سجائره باللون الأصفر بأن يؤجل الموضوع شهراً أو اثنين لأن الأوضاع المالية الراهنة في المكتب ليست على ما يرام. فينصرف إلى عمله بكسل ولامبالاة.
هو لا يحب عمله، ولا يكرهه، يسميه أصدقاؤه بالصحافي الأصفر، فهو يعمل في إحدى المواقع الالكترونية المصنفة في خانة "الصحافة الصفراء" والأمر لا يزعجه فكل ما يعنيه أن يؤمن أجراً يكفيه لتسديد أجار الشقة واشتراك الانترنت والساتلايت. عليه اليوم أن يكتب 100 كلمة حول صورةٍ لإحدى "نجمات" مواقع التواصل الإجتماعي، ترتدي فيها ثوب سباحة أصفر. يفكر طويلاً بعنوان جاذب ثم يكتب "بالفيديو، هكذا بدت...".
يعود إلى منزله في المساء، يتناول طبقا باردا من حساء العدس وبضع حبات بائتة من البطاطا المقلية. يشاهد مباراة الديربي من الدوري الألماني، يطفئ التلفاز بعد أن تلقى قائد فريقه المفضل بطاقته الصفراء الثانية. يحمل هاتفه الذكي، لا شيء يثير اهتمامه على الفيسبوك، فهو مليء بصور لرجل بدين بخصلة شقراء تغطي جبهته، الناس تقول بأنه أصبح الرجل الأقوى في العالم. يرجع إلى فراشه الذي غادره في الصباح، يقرأ في ديوان نزار قباني قصيدة عنوانها "إلى رداءٍ أًصفر"، ثم يشغل ألبوماً لل"بيتلز" ويغفو مردداً مع الأغنية “We all live in a yellow submarine” .